فصل: الوظيفة الثامنة - النظر.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  المرتبة الثانية من المراسيم التي تكتب بحاضرة دمشق لأربا السيوف

- ما يكتب في قطع الثلث وفيها وظيفتان الأولى - شد الدواوين بدمشق‏.‏

وصاحبها يتحدث فيما يتحدث فيه شاد الدواوين بالديار المصرية وقد تقدم‏.‏

وهذه نسخة مرسوم شريف بشد الدواوين بدمشق‏:‏ الحمد لله الذي أرهف لمصالح دولتنا القاهرة من الأولياء سيفاً ماضياً وجرد لمهمات خدمتنا الشريفة من الأصفياء عضباً يغدو الملك عن تصرفه الجميل راضياً وجدد السعود في أيامنا الزاهرة لمن لا تحتاج هممه في عمارة البلاد المحروسة متقاضياً‏.‏

نحمده على نعمه التي تستغرق المحامد وتستوجب الشكر المستأنف على الحامد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مجاهدٍ لأعدائها مجاهرٍ لإعلائها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدراً وأولهم في الرتبة مكانةً وإن كان آخرهم عصراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نهضوا بما أمروا وعمروا الدين قبل الدنيا فلم تتمكن الأيام من نقض ما عمروا صلاةً يتأرج نشرها ويتبلج بشرها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من عدق به من مهماتنا الشريفة أعمها نفعاً وأحسنها في عمارة البلاد وقعاً وأكثرها لخزائن الأموال تحصيلاً وجمعاً وأجمعها لمصالح الأعمال وأضبطها لحواصل الممالك التي إذا أعد منها جبالاً تلا عليها لسان الإنفاق‏:‏ ‏"‏ ويسألونك عن الجبال ‏"‏ من زانت عزمه نزاهته وكملت قوته في الحق خبرته ونباهته وكان من أولياء دولتنا المعدين لشد أركانها وإشادة بنيانها والنهوض بمصالحها المتنوعة ونشر كلمة عدلها التي تغدو بالأدعية الصالحة مبسوطةً وبالأثنية العاطرة متضوعة‏.‏

ولما كان فلان هو الذي أشير إلى محاسنه ونبه على إبريز فضله المظهر من معادنه مع صرامةٍ تخيف الليوث ونزاهةٍ تعين على عمارة البلاد الغيوث وخبرةٍ بإظهار المصالح الخفية وفية وبإبراز معادن الأموال من وجوهها الجلية ملية ومعرفةٍ تعم البلاد بين الرغبة والرهبة وتجعل مثل ما يودع فيها بالبركة والنماء مثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سبنلةٍ مائة حبة - اقتضت آراؤنا الشريفة أن ننبه على حسن اعتنائنا بأمره واعتمادنا بما قدمه من أسباب إسناء رتبته ورفعة قدره فلذلك رسم - زاد الله في علائه - أن يفوض إليه‏.‏

فليباشر ذلك مظهراً من مصالح الدولة القاهرة ما كان في ضمير كفايته مكنوناً مبرزاً من تثمير الأموال وتعمير الأعمال ما يحقق به من خصب البلاد بمشيئة الله تعالى ما كان مظنوناً موالياً إلى الخزائن المعمورة من حمول تدبيره ما يمسي به طائر تصرفه ميموناً وسبب توقفه مأموناً‏.‏

وليكن النظر في عمارة البلاد هو المهم المقدم لديه والأمر الذي يتعين توفر اهتمامه عليه فليجتهد في ذلك اجتهاداً يظهر أثره ويجتنى ثمره ويحمد ورده وصدره وتتفرع عنه أنواع المصالح وتترتب عليه أسباب المناجح وملاك ذلك بسط المعدلة التي هي خيرٌ للبلاد من أن تمطر أربعين يوماً واعتماد الرفق الذي لا يضر معه البأس قوماً ولا جيلب على فاعله مع الحزم لوماً ولا يطرد عمن أنامه العدل في مهاد الدعة نوماً وليصرف إلى استجلاب الأموال وموالاة حملها همةً ناهضة وعزمةً إلى ما قرب ونأى من المصالح راكضة وقوةً بأسباب الحزم آخذةً وعلى أعنة التدبير قابضة وفيما خبرناه من عزائمه المشكورة وسيرته التي ما برحت بين أولياء دولتنا القاهرة مشهورة ما يكتفى به عن الوصايا المؤكدة ويوثق به فيما عدق به من الأمور المسددة لكن تقوى الله تعالى أولى الوصايا وأولها وأحق ما تليت عليه تفاصيلها وجملها فليقدم تقوى الله بين يديه ويجعلها العمدة فيما اعتمد فيه عليه بعد الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه‏.‏

  الوظيفة الثانية - شد المهمات‏.‏

وصاحبها يتحدث فيما يطلب للأبواب السلطانية من المستعملات وغيرها‏.‏

وقد ذكر في التثقيف أن عادته أن يكون مقدم ألفٍ‏.‏

وهذه نسخة توقيع بشد المهمات بدمشق وهي‏:‏ الحمد لله الذي شد عرى المصالح من الأولياء بكل ذي أيد وكل من هو في المهمات أبطش بعمرٍو من زيد ومن له تدبيرٌ كم أغنى باقتناصه لشوارد الأمور عن حبالة صيد‏.‏

وبعد فإن أحق من استخلص لاستخلاص الأموال واختير لصونها من الاختزال وحفظها من الاختلال وأهل قلمه وكلمه‏:‏ هذا للتمثيل وهذا للامتثال وفوض إليه التصرف في الترغيب والتهيب والاجتهاد في التمييز والتحرير والتوفير إذ كل مجتهدٍ مصيب - من اشتهر بأنه ذو حزم لا يني وعزمٍ عن المصالح لا ينثني واحتفالٍ بالأحوال التي منها نكرٌ لمن يجني وشكرٌ لمن يجتني وله نباهةٌ يدرك بها كل إيهامٍ وكل إبهام ويطلع بها على فلتات ألسنة الأقلام ويفهم بها مقاصد كل من هو من الجنة في كل وادٍ يهيم ولا يخفى عليه جرائر الجرائد ولا مخازي المخازيم وفيه رحمةٌ كم أصبح بها وهو الأتقى ولم يأت قساوةً يكون بها هو المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى وكم ساس الأمور ودبرها فأحسن فيها السياسة وأجمل التدبير واستخرج الشيء الكثير بالتخويف اليسير حتى جمع حسن تدبيرٍ واسترعا وصنع حسناً وأحسن صنعا‏.‏

ولما كان فلان هو لهذا الأمر الجليل المسترعى واسمه في أول مدارج التنويه والتنويل خير مستدعى وفيه من جميل الأصاف ما يرضي حسن الاقتراح وقد خبر أمور الكتبة وقد علم من أحوالهم ما هو أحرى لهم بالتجربة وعرف خفايا المعاملات معرفةً تامة وأحاط بجزئيات الجهات وكلياتها إحاطةً خاصة وعامة - اقتضى حسن الرأي المنيف أن رسم بالأمر الشريف - لابرح يشد عضد كل مهتم من الأولياء بأخي كل عزم ويجعل له سلطاناً لا يكل مصلحةً إلى حزم ذي حزم - أن يفوض إليه شد المهمات بالشام المحروس‏.‏

فليضبط الأمور ضبطاً مستوعباً ولينتصب لذلك انتصاباً مترتباً وليحترز منفذاً ومصرفاً ومسرعاً ومستوقفاً ومتى ظهر حقٌّ يتمسك به تمسك الغريم ولا يحاب فيه ذا باسٍ قويٍّ ولا ذا منهجٍ إلى المنع والدفع غير قويم وما من جهة إلا ولها شروطٌ صوب الصواب ولا يعتمد على غير الحق منكباً عن ترويج الكتاب ولتكن الحمول مسيرة والمتخرجات متوفرة وجهات الخاص مقررة إذ الضمان لا ينتظر لهم نظرةٌ إلى ميسرة فإنهم سوس المعاملات وكواسر الجهات ومنهم يحفظ أو يضاع وبهم يترقى أو ينحط الارتفاع وجهات المقطعين الواجب له أن يجعل عليها واقيةً باقية ولتحم لهم حتى لا يتطاول إلى ذروتها امتداد الأيدي المختزلة ولا خطا العدوان الراقية وليصرف وجهه بحفظه إلى مراقبة من في باب الشد من مقدمين ومن رسلٍ يأكلون أموال الناس بالباطل ويبيعون الآجل بالعاجل ويخيفون العام والخاص وكل منهم يروم الغناء وهو رقاص‏.‏

هذه زبدةٌ من الوصايا مقنعة وعزماتٌ غنيةٌ عن تكثيرٍ في القول أو توسعة والله تعالى يكون له ويعينه بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى‏.‏

  الصنف الثاني من الوظائف بدمشق الوظائف الدينية

وجميع ما يكتب فيها تواقيع وهي على مرتبتين المرتبة الأولى ما يكتب في قطع النصف بالمجلس العالي بالياء مفتتحاً بالحمد لله وبذلك يكتب للقضاة الأربعة بحاضرة دمشق‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء الشافعية بدمشق المحروسة كتب به لقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء السبكي وهي‏:‏ الحمد لله الذي أقر أحكام الشرع الشريف في أيامنا الزاهرة على أكمل القواعد وأمر مدار الحكم المنيف في دولتنا القاهرة على أجمل العوائد وأمضى فصل القضاء في ممالكنا الشامية بيد إمامٍ غنيت فضائله عن الشواهد وأمته الأئمة لاقتباس الفوائد وعدقت أحكام الملة منه بمجاهرٍ في الحق مجاهد مسددٍ في الدين سهم اجتهادٍ رمى به شاكلة الصواب عن أثبت يدٍ وأشد ساعد‏.‏

نحمده على نعمه التي حلت مناصب الدين في ممالكنا الشريفة بأكفائها وعلت رتب العلم في دولتنا القاهرة باستقرار من جعلته فضائله غاية اختيارها ونهاية اصطفائها ودلت على اعتنائنا بتنفيذ أحكام من أتعبت سيرته الجميلة من سهد في اتباعها وجهد في اقتفائها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال أعلامنا بها تنتصر وأيامنا على الجهاد لتكون كلمتها هي العليا تقتصر وأقلامنا لنشر دعوتها في الآفاق تسهب ولا توجز وتطنب ولا تختصر ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من قضت أمته بالحق فعدلت وتلقت عنه أحكام ملته ففاقت بذلك الأمم وفضلت وحكمت بما أراها الله من شرعته فما مالت عن سننه القويم ولا عدلت صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أسلموا لله فسلموا وعملوا في دين الله بما علموا وبذلوا النفوس في طاعته فما استكانوا لما أصابهم في سبيل الله ولا ألموا صلاةً نؤدي بها من أمر الله المفترض ونرغم بإقامتها الذين في قلوبهم مرض وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من تنقل في رتبة السنية ووطدت له بمصر والشام قواعد سيرته السرية وأطلقت جياد اليراعة في إمضاء حكمه في المملكتين مثاني أعنتها وأنطقت صعاد البراعة في إعلاء بهائه فيهما ألسنة أسنتها وأردنا أن نرده إلى أعز الممالك علينا لنقر عينها وقصدنا أن نعيده إلى رتبته بها لنوفي باستعادته دينها واخترنا أن نجدد لهذه الوظيفة سالف عهده وأن نريه اعتناءنا بأمر منصبه الذي لم يله مثله من الأئمة من بعده وعلمنا أن الديار المصرية قد اختصت بفضائله زمناً طويلاً وأن البلاد الشامية قد ألفت من أحكامه ما لم ترد به بديلاً - من ظهرت فضائله ظهور نعته وتهادت فوائده رفاق الآفاق‏:‏ من علماء زمانه وأئمة وقته وعلمت أوصاف الصدور الأول من علمه وورعه وسمته ونشرت الأيام من علومه ما لم يطو بل تطوى إليه المراحل ونقلت الأقلام من فنونه ما يروى فيروى به السمع الظامي ويخصب به الفكر الماحل وألفت الأقاليم من حكمه ما غدت به بين مسرورٍ بإشراقه ومروعٍ بفراقه فمن أقضيةٍ مسددة وأحكامٍ مؤيدة وأقوالٍ منزهةٍ عن الهوى وأحوالٍ صادرةٍ عن زهادةٍ محكمة القواعد ونزاهةٍ مجتمعة القوى وإصابةٍ دالةٍ على ما وراءها من علمٍ وورع وإجابةٍ في الحق تحيا بها السنن وتموت البدع وشدةٍ في الدين تصدع في كل حكم بالحق وإن صدع وعدلٍ لا يستلان جانبه وحزمٍ لا يستزل صاحبه ولا ستنزل راكبه وقوةٍ في الحق تمنع المبطل من الإقدام عليه ولينٍ في الله يفسح للحق مجال القول بين يديه ومجالس غدت بالعلم طيبة الأرج وفضائل يحدث فيها عن مواد فكره عن البحر ولا حرج وبدائع تضرب إلى استماعها أكباد الإبل وبدائه تهرم الأيام وعمر شبابها مقتبل‏.‏

ولما كان المجلس العالي - أدام الله نعمته - هو الذي ورد على أبوابنا العالية ونور ولائه يسعى بين يديه وصدر الآن عنها وحلل آلائنا تضفو عليه وأقام في خدمتنا الشريفة معدوداً في أكرم من بها قطن وعاد إلى الشام مجموعاً له بين مضاعفة النعم والعود إلى الوطن وهو الذي تختال به المناقب وتختار فضله العواقب ويشرق قلمه بالفتاوى إشراق النهار وتغدق منافعه إغداق السحب بالأمطار وتحدق الطلبة به إحداق الكمامة بالثمر والهالات بالأقمار وهو شافي عي كل شافعي ودواء ألم كل ألمعي طالما جانب جنبه المضاجع سهاداً وقطع الليل ثم استمده لمدد فتاويه مداداً وجمع بين المذهبين نظراً وتقليداً والمذهبين من القولين قديماً وجديداً وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه وملك حسانها فأسفر له كل وجهٍ تغطى من أوراق الكتب بلثامه وانفتحت بفهمه للتصانيف أبوابٌ شغلت القفال أقفالها ونفحت نفحاتٌ ما للماوردي مثالها ومنحت حللاً يفخر الغزالي إذا نسج على منواله سربالها فلو أدركه الرافعي لشرح الوجيز من لفظه وأملى أحكام المذاهب من حفظه وصدر المسائل بأقواله وأعد لكل سؤالٍ واردٍ حجةً من بحثه وبرهاناً من جداله فله في العلم المرتقى الذي لا يدرك والمنتهى الذي لا ينازع في تفرده ولا يشرك والغاية التي أحرزها دون غيره فلولا المشقة لم تترك وهو الذي ما زال بهذه الرتبة ملياً وبما عدق بذمته من أحكامها وفياً وبكل ما يرضي الخليقة عنه من أحوالها قائماً وكان عند ربه مرضياً وبأعبائها مستقلاً من حين منحه الله العلم ناشئاً وآتاه الحكم صبياً‏.‏

وما برح تدعوه التقوى فيجيبها ويترك ما لا يريب نفسه تنزيهاً عما يريبه فكم فجر بالبلاد الشامية من علمه عيوناً وغرس بها من أفنان فضله فنوناً وكان لها خير جارٍ ترك لها ما سواها وأكرم نزيل نوى بالوصول إليها مصلحة دينه فلم يضيع الله له نيته التي نواها وألف قواعد أهلها وعوائدهم وعرف بحسن اطلاعه ما جبل الله عليه غائبهم وشاهدهم وعدوه من النعم المقبلة عليهم واقتدوا في محبته بالذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ثم قدم إلى الديار المصرية وما كان قدومه إلا علينا ووفد إليها بحسن مودته ومحبته اللتين ما وفد بهما إلا إلينا فرأينا منه إماماً لا يحكم في توليته الحكم بالهوى ولا ينوى في تقليده القضاء غير مصلحة المسلمين ولكل امرىءٍ ما نوى وهو - بحمد الله - لم يزل بقواعد هذا المنصب خبيراً وبعوائد هذه الرتبة بصيراً وبإجرائها على أكمل السنن وأوضح السنن جديراً وبإمضاء حكم الله الذي يحقق إيجاد الحق فيه للأمة أنه من عند الله ‏"‏ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ‏"‏ مع ما تكملت به فضائله من الوقوف مع الحق المبين والتحلي بالورع المتين والتخلي للعبادة التي أصبح من اتصف بها مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف الأشرفي الناصري - لا زال علم العلم في أيامه مرفوعاً وألم الجهل بما خص الله به دولته من الأئمة الأعلام مدفوعاً - أن يفوض إلى المشار إليه قضاء القضاة الشافعية ونظر الأوقاف بدمشق المحروسة وأعمالها بالبلاد الشامية وما هو مضاف إلى ذلك من الصدقات والتداريس والتصدير وغير ذلك على عادة من تقدمه في ذلك وقاعدته ومعلومه‏.‏

فليقابل هذا التقليد السعيد بيدٍ زيد في الحق تمكنها وعلى الخير تمرنها وفي العدل انبساطها وفي أحكام الله تعالى بحسن المعاضدة على الحق قوتها واحتياطها وليمض على ما ألف من سيرته التي زان العلم أوصافها وزان الورع اتصافها وحلى العدل مفاخرها وأحيا التقى مآثرها وتناقلت رفاق الآفاق أحكامها واستصحبت من هدايا هداها ما تتحف به حكامها وفيما نعت من محاسنه ما يغني عن الوصايا المجددة والإشارات المرددة لكن الذكرى بتقوى الله تنفع المؤمنين وترفع المتقين وتجمع مصالح الدنيا والدين فليجعلها خلقه ما استطاع ولير حكمها هو الحكم المتبع وأمرها هو الأمر المطاع والاعتماد رابع عشر المحرم سنة خمس وسبعين قلت‏:‏ ولم أقف على تفويض لقاضٍ من كتابة من تقدم سوى تفويض واحد من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله كتبه لقاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله بالشام المحروس على مذهب الإمام الشافعي‏.‏

وهذه نسخته‏:‏ الحمد لله على التمسك بشرائعه والتنسك بذرائعه والتوسل إلى الله بتأييد أحكام شارعه والتوصل به إلى دينٍ يقطع به من الباطل أعناق مطامعه‏.‏

نحمده حمداً يأخذ من الخير بمجامعه ويضاهي الغمام في عموم منافعه ويباهي السيف بقلم الشرع في قهر عاصيه وحماية طائعه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تؤدي للإيمان أمانة ودائعه وتهدي إلى صيانة مشارعه وتقيم من العلماء كل شهابٍ تقسم الأنوار بلوامعه وتقسم الأبصار ببدائعه وتجول الفتاوى في صدره الفسيح وتتجول في شوارعه وترهف منهم للحكم العزيز كل قلمٍ يدل السهم على مواقعه وينبه الرمح من مقاتل الأعداء على مواضعه ويسري غمامه إلى الأعداء بصواعقه وإلى الأولياء بهوامعه ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أسعد الأمة بطالعه وأصعد الأئمة في مطالعه وأسعف الملة بما أبقى الله فيها من حسن صنائعه ويمن طلائعه ومن شريعته التي أمن حبلها الممدود من جذب قاطعه وكفي شر قاطعه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتوالى إليه توالي العذب إلى منابعه وبعد فإن الله لما أقامنا لحماية شرعه الشريف أن يستباح حماه أو يباح لأحد من حكامه أن يركب هواه أو يتعدى حدوده في سخطه أو رضاه أو يحدث في أمره ما ليس منه إلا أن يكون رداً على سواه - جعلنا نجد على إقامة مناره أن يطمس وإدامة مباره أن يقلع منارها أو يبخس استدامةً لتأبيس حكامه وتأييد أحكامه لأنه سحائب أنواءٍ يعم الربيع ربوعها ومشكاة أنوارٍ يكاثر الصباح لموعها وأفاويق وفاقٍ تنيم به الأمة ضروعها وشجرة مباركة إسلامية زكت أصولها ونمت فروعها شكراً لله على ما خصنا به‏:‏ من تحصين ممالك الإسلام وتحسين مسالك دار السلام لنمنع المحن أن تسام وبروق الفتن أن تشام ووجوه الفتوى أن تتزين إلا بشامة الشام غبطةً بأن الله جعل للإسلام منها ما هو خيرٌ وأبقى وأشرف وأتقى وأعظم بلدٍ تتشعب بالمذاهب طرقاً وتود المجرة لو وقفت بها على الشريعة نسقاً تتزاحم في مركزها الأعلام وتتضافر على الجهاد في الله بالجلاد والجدال تارةً بالسيوف وتارةً بالأقلام‏.‏

ودمشق حرسها الله هي أم ذلك الإقليم ومدده الذي يحنو على مشارعها حنو الوالدة على الفطيم وتنبت بها فوائد لا تأمن معها الغواني حتى تلمس جانب العقد النظيم وهي دار العلم ومدار الحكم وموطن علماء تتعاقب فيها كواكبهم وتتناوب سحائبهم وتتناهى إلى حكمها العزيز الشكوى وتنفصل بحكم حاكمها الدعوى ويمتد جناح طيلسانه على رضوى ويحلق البرق وراء فهمه ولا يبلغ غايته القصوى ويطول قلمه على السيف المشهر ويرفرف سجله على الشرع المطهر كم حلت في صدوره صدور وكم طلعت منهم شموسٌ وبدور وكم حمدت منهم أمور عاقبةٍ ولله عاقبة الأمور كم أداء درسٍ بهم ذكر وكم أدب نفسٍ شكر كم بهم مجدٌ رسخ وجدٌّ لملة ممالاةٍ نسخ كم أقضيةٍ لهم بالحق وصلت وقضيةٍ للحق فصلت ومهنة من غلبهم اللاحق حصلت كم سجل صاحب هذا المنصب حامل علمه المنشور ومصباح ديمه الحافلة على ممر الدهور بشرف مدرس علمٍ يطلع من محرابه ونساك حلم يبدو بدره التمام خلف سحابه ومجلس إفادةٍ انعقد عليه فيه الإجماع ومحفل سادةٍ كان فيهم واسطة عقد الاجتماع‏.‏

ولما تزلزلت قدم منابره وانتهك حجاب ضمائره واستزله الشيطان بكيده المتين وأضله على علمه المبين وسبق القلم الشرعي بما هو كائن ومضى الحكم القطعي بما هو من تصرفه بائن - تردد الاختيار الشريف فيمن نحلي جيده بتقليدها ونؤهل يراعه لتسليم مقاليدها وصوبنا صواب النظر فيه مصراً وشاماً واستشرفنا أعلاماً وتيقنا لأقوى ما يكون لها قواماً وابتكرنا أنه لا يصلح إلا من كان لحلة المجد طرازاً ويزيد العمل إليه اعزاءً والعلم به اعتزازاً إلى أن أجمع رأينا العالي على من لا ينكر ذو قدم ولا قدم ولا قلم أنه السابق ولا يجحد رب علمٍ ولا عمل ولا علم أنه الباسق ولا يشك أن من فوائده يستمد المطر ومن توقد ذهنه يقدح زناد البارق ولا يرتاب البحر أن فرائده ما يطوق العنق ويشنف الأذن ويتوج المفارق ولا يمارى في فضله الذي لو طلب له مثيلٌ لم يصب ولو ادعى الكوكب الساري أنه له شبيهٌ لمسه النصب أو تلفتت أعناق القنا إلى قلمه لأيقنت أنها كلٌّ على القضب وهو الذي أفنى عمره في تحصيل العلم اشتغالاً وجد في الطلب لصالح العمل وإن تغالى وبقي فقيه قومٍ ما جد منهم مثله ماجد ولا جادت يد كريمٍ منهم تمتد بما هو جائد ودرج أقرانه إلى الله وخلي دونهم شرعاً لا يرد وارداً وخلف بعدهم سهماً في الكنانة واحداً‏.‏

وكان المجلس العالي - أدام الله تأييده - هو الذي تختال به المناقب وتختار فضائله العواقب وتشرق بقلمه الفتاوى إشراق النهار وتغدق منافعه إغداق السحب بالأمطار وتحدق به الطلب إحداق الكمامة بالثمر والهالات بالأقمار وهو شافي عي كل شافعي ودواء ألم كل ألمعي طالما جانب جنبه المضاجع سهاداً وقطع الليل ثم استمده لمدد فتاويه مداداً وجمع بين المذهبين نظراً وتقليداً والمذهبين من القولين قديماً وجديداً وسلك جميع الطرق إلى مذهب إمامه وملك حسانها فأسفر له كل وجه تغطى من أوراق الكتب بلثامه وانفتحت بفهمه للتصانيف أبواب شغلت القفال أقفالها ونفحت له نفحاتٌ ما للماوردي مثالها وسفحت ديمٌ غزارٌ يسقي المزني سجالها ومنحت حللاً يفخر الغزالي إذا نسج على منواله سربالها‏.‏

فرسم بالأمر الشريف - لا زال يجدد ملابس فضله ويقلد كل عملٍ لصالح أهله - أن يفوض إليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق المحروسة وأعمالها وجندها وضواحيها وسائر الممالك الشامية المضافة إليها والمنسوبة لها والمحسوبة فيها يولي ذلك ولايةً صحيحةً شرعية على عادة من تقدمه وقاعدته المرعية مع ما هو مضاف إلى من كان قبله من تدريس المدارس تفويضاً لا ينافسه فيه منافس ولا يجالسه في درسه إلا من ارتضى من النجوم أن يجالس وأذنا له أن يستنيب عنه من لا يخجل عند الله ولا عندنا باستنابته ولا يداخله ظنٌّ في خلاص ذمته بإنابته إلى الله في نيابته على أنه يتفقد أعمالهم ويتصفح أحوالهم‏:‏ فمن نقل إليه ثقاته أنه على طريقٍ مستقيمٍ أقره وإلا صرفه ثم لا يكون له إلى عمله كرة وهو القائم بحجة الشرع الشريف وحجة الله عليه قائمة وعليه إن قصر - والعياذ بالله - في أموره تعود اللائمة وأنت تعلم أنا ما كنا نعرفك عياناً وإنما وصفت لنا حتى كأنا نراك وسمعت بما نحن عليه حتى كأنك ترانا فشيد لمن شيد لك شكرهم أركاناً وأعلى ذكرهم لمجدك بنياناً وجعل لك قدرهم الجميل منا سلطاناً وأقم بحسن سلوكك على ما قالوا فيك برهاناً واعرف لهم حق معروفهم وجازهم عن حسن ظنهم بالحسنات إحساناً‏.‏

ونحن نوصيك بوصايا تشهد لنا يوم القيامة عليك ببلاغها ويعترض منها في الحلوق شبحاً‏:‏ فأي الرجال يقدر على مساغها فإن قمت بها كان لنا ولك في الأجر اشتراك وإن أضعت حقوقها فالله يعلم أننا أخرجنا هذه الأمانة من عنقنا وقلدناك والله وملائكته بيننا وبينك شهود على ما أوليناك وما وليناك فعليك بتقوى الله في السر والإعلان والعمل بما تعلمه سواءٌ رضي فلانٌ أو سخط فلان والانتهاء إلى ما يقتضيه عموم المصالح وإمضاء كل أمرٍ على ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وكان عليه السلف الصالح وإقامة حدود الله ولا تتعد حدوده وقمع البدع لإظهار الحق لا لإثارة فتنةٍ مقصودة فقد علمت ما أنكرته أنت وأمثالك من الأئمة العلماء على من تقدمك من تسرعه في مثل ذلك وتطلعه إلى مطالب سقط دونها في مهاوي المهالك فإياك إياك أن تتبع في هذا النحو سبله أو تنه عن خلقٍ وتأتي مثله‏.‏

والصدقات الحكمية على مادة المساكين وجادة الشاكين ففرقها على أهلها واجمع لك الحسنات عند الله بتبديد شملها ولا تبق منها بقيةً تبقى معرضة لأكلها فلو أراد واقفوها - رحمهم الله - في أجورها وخص الأسارى - أحسن الله خلاصهم - بما يصل به إحسانك إليهم ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏.‏

والأيتام - جبرهم الله -‏:‏ منهم الطفل والمميز والمراهق ومن لم يملك رشده أو من يحتاج أن يبلغ في جواز التصرف أشده وكل هؤلاء فيهم من لا يعلم من يضره ممن ينفعه ولكن الله يعرفه وفي أعماله يرفعه فاجتهد أن تكون فيهم أباً براً وأن تتخذ فيهم عند الله أجراً وأن تعامل في بنيك بمثل ما عاملتهم إذا انقلبت الدار الأخرى واحفظ أموالهم أن تنتهكها أجرة العمال وترجع في قراضها إلى ما يجحف برؤوس الأموال ومثل أعمالك المعروضة على الله في صحائفها المعروضة واحذر من المعاملة لهم إلا بفائدةٍ ظاهرة ورهنٍ مقبوضة‏.‏

والجهات الدينية هي بضاعة حفظك ووداعة لحظك فلا تول كل جهةٍ إلا من هو جامعٌ لشرطها قائمٌ بموازين قسطها‏.‏

والشهود هم شهداء الحق وأمناء الخلق وعلى شهاداتهم تبنى الأحكام فإياك والبناء على غير أساسٍ ثابتٍ فإنه سريع الانهدام ومنهم من يشهد في قيمة المثل ويتعين أن يكون من أهل البلد الأمثل لأنه لا يعرف القيمة إلا من هو ذو سعةٍ ممول ومنهم من أذن له في العقود فامنع منهم من تسهل بسببٍ من الأسباب وما تمهل إشفاقاً لاختلاط الأنسال والأنساب يقبل بالتعريف ما يخلو من الموانع الشرعية من كان ولا يحسن في تزويجه يمسك إمساكاً بمعروفٍ ولا يسرح تسريحاً بإحسان وهؤلاء مفاسدهم أكثر من أن تحصى والبلاء بهم أكبر من أن يستقصر أو يستقصى فاعتبر أحوالهم اعتباراً جلياً وفكر في استدراك فارطهم فكراً ملياً ومن لم يكن له من العلم والدين ما يوضح له المشتبهات فإياك وتركه فرب معتقدٍ أنه يطأ وطأً حلالاً وقد أوقعه هذا ومثله في وطء الشبهات ومنهم من يعمد إلى التحليل ويرتكب منه محذوراً غير قليل وهو بعينه نكاح المتعة الذي كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عنه وقام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه محذراً منه فاحسم هذه المادة الردية التي تؤلم عضواً فيسري إلى سائر الأعضاء ألمها ويبقى في كثير من الذراري المولودة من هذه الأنكحة الفاسدة ثلمها‏.‏

والرسل والوكلاء بمجلس الحكم العزيز ومن يلمزك في الصدقات وما نزل في أمورٍ ما يريدون بها تقليد حكمك بل ما يقضون به الأوقات فلا تدع ممن تريد منهم إلا كل مشكور الطريق مشهور القصة بين الخصوم بطلب التوفيق‏.‏

والمكاتيب هي سهامك النافذة وأحكامك المؤاخذة فسدد مراميها ولا تردفها ما عرض عليك من الأحكام حتى لا يسرع الدخول فيها والمحاضر هي محل التقوي فاجتهد فيها اجتهاداً لا تذر معه ولا تبقي‏.‏

وأما قضايا المتحاكمين إليك في شكاويهم والمحاكمين في دعاويهم فأنت بهم خبير ولهم ناقدٌ بصير فإذا أتوك لتكشف بحكمك لأواءهم فاحكم بينهم بما أراك الله ولا تتبع أهواءهم وقد فقهك الله في دينه وأوردك من موارد يقينه ما جعله لك نوراً وجلاه لك سفوراً وأقامه عليك سوراًن وعلمك ما لم تكن تعلم منه أموراً فإن أشكل عليك أمرٌ فرده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع أصحابه فإن لم تجد فعندك من العلماء من تجعل الأمر بينهم شورى ولأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتابٌ كتبه إلى بعض القضاة فاعمل بمقتضاه واعلم بأن الله تعالى قد ارتضاك لخلقه فاعمل على رضاه‏.‏

والأئمة العلماء هم إخوانك في الدين وأعوانك على ردع المبتدعين ولسانك في المحفل وجناحك إذا جلسوا ذات الشمال وذات اليمين فنزلهم منازلهم التي أحلهم الله في شرفاتها وبوأهم رفيع غرفاتها وتألف خواطرهم فإنك تنظر إلى كثير من الأمور في صفاء مصافاتها‏.‏

ومن نسب إلى خرقة الفقر وأهل الصلاح هم أولياء الله المقربون وأحباؤه الأقربون فعظم حياتهم وجانب محاباتهم فما منهم وإن اختلفت أحوالهم إلا من هو على هدىً مبين واحرص أن تكون لهم حباً يملا قلوبهم فإن الله ينظر إلى قوم من قلوب قومٍ آخرين‏.‏

وانتصب للدروس التي تقدمت بها على وافد الطلبة فإن الكرم لا يمحقه الالتماس والمصباح لا يفني مقله كثرة الاقتباس والغمام لا ينقصه توالي المطر ولا يزيده طول الاحتباس والبحر لا يتغير عن حاله وهو لا يخلو عن الوارد في عدد الأنفاس‏.‏

والوصايا كثيرة وإنما هذه نبذةٌ جامعة وبارقةٌ لامعة ومنك يستفاد بساط القول وانبساط الطول ولهذا يكتفى بما فيك والله تعالى يكفيك ويحصي حساب أعمالك الصالحة ليوفيك حتى تجد فلا يتخلف بك السير وتستعد ليختم لك بخاتمة الخير والاعتماد على الخط الشريف‏.‏

قلت‏:‏ وهذه نسخة توقيع بقضاء أنشأته بدمشق للقاضي شرف الدين مسعود وهي‏:‏ الحمد لله الذي شيد أحكام الشرع الشريف وزاد حكامه في أيامنا شرفاً ورفع منار العلم على كل منارٍ وبوأ أهله من جنات إحساننا غرفاً وأباح دم من ألحد فيه عناداً أو وجه إليه طعناً وأوجب الانقياد إليه بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ‏"‏ وألهم الصواب في اختيار من لم يزل لهذه الرتبة معداً ومن رجالها معدوداً وصرف وجه إقبالنا إلى من ارتضيناه للمسلمين حاكماً فأصبح بنظرنا مسعوداً‏.‏

ونحمده حمد من اعتنى بالقيام بشرائع الإسلام وتعظيم شعائره ونصح للرعية فيمن ولاه عليهم وأعطى منصب الشرع حقه بتقديم أكابره‏.‏

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقضى لصاحبها بالنجاة من النار ويسجل لقائلها بالثبوت في ديوان الأبرار وأن محمداً عبده ورسوله الذي شرط الإيمان بالرضا بحكمه وأوجب طاعته أمراً ونهياً واستجابةً وتحكيماً فقال تعالى‏:‏ ‏"‏ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ‏"‏ صلى الله عليه وعلى آهل وصحبه الذين نحن بسيرهم مهتدون وبآثارهم مقتدون وعلى آله وصحبه الغر الكرام الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون صلاةً لا يختلف في فضلها اثنان ولا يتنازع في قبولها خصمان وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فلما كانت مرتبة الشرع الشريف هي أعلى المراتب ومنصب حكامه في الورى أرفع المناصب إليه تنتهي المخاصمات فيفصلها ثم لا تعدوه ويحكم فيه على الخصم فيذعن لحكمه ثم لا يشنوه بل يتفرق الخصمان وكلٌّ منهما بما قضي له وعليه راض ويقول المتمرد الجائر لحاكمه‏:‏ قد رضيت بحكمك فاقض في ما أنت قاض وناهيك برتبةٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المتصدي للقيام بواجبها والخلفاء الراشدون - رضوان الله عليهم - محافظين على أداء رواتبها ثم اختص بها العلماء الذين هم ورثة الأنبياء من الخليقة واستأثروا بها دون غيرهم من سائر الناس فهم أهلها على الحقيقة إذ لا يؤهل لهذه الرتبة إلا من ارتقى إلى درجات الكمال واتصف بأحسن الأوصاف واحتوى على أنفس الخصال وتضلع من العلم الشريف بما يرويه وفاق في العقل والنقل بما يبحثه ويرويه‏.‏

ولما كان المجلس الفلاني هو عين هذه القلادة وواسطة عقدها وقطب دائرتها وملاك حلها وعقدها إذ هو شريح الزمان ذكراً وأبو حامد سيرةً وأبو الطيب نشراً لا جرم ألبسته أيامنا الزاهرة من الحكم ثوباً جديداً وأفاض عليه إنعامنا نحلةً نعقبها - إن شاء الله تعالى - مزيداً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زالت الشريعة المطهرة بمناصرته في أعز صوان وحكامها بمعاضدته في أعلى درجة وأرفع مكان - أن يفوض إليه‏.‏

‏.‏

فليباشر هذه الوظيفة مباشرة مثله لمثلها وليعمل بما يعلمه من أحكامها فهو ابن بجدتها والخبير بمسالك وعرها وسهلها فهو الحاكم الذي لا يساوى والإمام الذي يقتدى به في الأحكام والفتاوى فعليه بالتأني في الأحكام والتثبت فيما يصدر عنه من النقض والإبرام ولينظر في الأمر قبل الحكم المرة ثم الأخرى ويكرر النظر في ذلك ولو أقام شهراً ويراجع أهل العلم فيما وقف عليه ويشاورهم فما ندم من استشار ويقدم استخارة الله تعالى في سائر أموره فما خاب من استخار وليدر مع الحق كيف دار ويتبع الصواب أنى توجه ويقتفي أثره حيث سار وإذا ظهر له الحق قضى به ولو على ابنه وأبيه وأعز أصدقائه وأخص ذويه غير مفرقٍ في فصل القضاء بين القوي والضعيف والوضيع والشريف ولا مميزٍ في تنفيذ الحكم بين الغني والفقير والسوقة والأمير وليسو بين الخصوم حتى في تقسيم النظر إليهم كما في موقف الحكم وسماع الدعوى ورد الأجوبة فيما لهم وعليهم وليستخلف من النواب من حسنت لديه سيرته وحمدت عنده طريقته ويوص كلاً منهم بما نوصيه به ويبالغ في تأكيد وصيته ويستحضر السر في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ‏"‏‏.‏

وليمعن النظر في أمر الشهود الذيبن تترتب على شهادتهم أمور الدنيا والفروج والأموال ويتفقد أمرهم في كل وقت ولا يغفل عنهم في حال من الأحوال ويحملهم من الطرائق على أحسن وجهها وأحقهم بإمعان النظر شهود القيمة والعمائر الذين يقطع بقولهم في أملاك الأيتام والأوقاف مما تنفر عنه القلوب وتنبو عنه الضمائر‏.‏

والوكلاء والمتصرفون فهم قوم فضل عنهم الشر فباعوه واستحفظوا الود فلم يراعوا حقه وأضاعوه فهم آفة أبواب القضاة بلا نزاع كيف وهم الضباع الضارية والذئاب الجياع‏.‏

وما تحت نظره من أوقاف المدارس والأسرى والصدقات وغيرها مما يقصد به واقفوه وجه البر وسبيل القربات يحسن النظر في وجوه مصارفها مع حفظ أحوالها الذي هو أغيا مراد واقفها‏.‏

وأهل العلم أبناء جنسه الذين فيهم نشأ ومنهم نجم وجنده الذين يقصدونه بالفتاوى فيما قضى وحكم فليوفر لهم الإحسان ويصنع معهم من المعروف ما يبقى ذكره على ممر الأزمان ومثله لا يحتاج إلى كثرة الوصايا وثوقاً بما عنده من العلم بالأحكام والمعرفة بالقضايا لكن عليه بتقوى الله ومراقبته يكن له مما يتبوءه ظهيراً ويسترشده في سائر أموره يجعل له من لدنه هادياً ونصيراً والله تعالى يبلغ واثق أمله من كرمنا مراماً ويوطيء له المهاد ببلدٍ حسنت مستقراً ومقاماً إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية بالشام من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي تغمده الله برحمته وهي‏:‏ الحمد لله جاعل المذاهب الشرعية في أيامنا الشريفة زاهيةً بأركانها الأربعة مستقرةً على النظام الذي غدت به قواعد الحجة محكمةً ومواقع الرحمة متسعة فإذا خلا ركنٌ من مباشرةٍ أقمنا من تكون القلوب على أولويته مجتمعة وانتقينا له من الأتقياء من تغدو به الأمة حيث كانت منتفعة واستدعينا إليه من تغدو الأدعية الصالحة لنا بتفويض الحكم إليه مرتفعة الذي خص مذهب إمام دار الهجرة بكل إمام هجر في التبحر فيه دواعي السكون وبواعث الدعة وجمل منصب حكمه بمن كمل بعلوم الدين فخره فإذا حكم غدت الأقضية لحكمه منفذةً وإذا قضى أضحت الأحكام لأقضيته متبعة‏.‏

نحمده على نعمه التي جعلت مهم الشرع الشريف لدينا كالاستفهام الذي له صدر الكلام وبمثابة النية المقدمة حتى على تكبيرة الإحرام ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أثبت الإخلاص حكمها وأحكم الإيمان علمها وأبقى اليقين على صفحات الوجوه والوجود وسمها المشرق واسمها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخذ ميثاق النبيين في الإقرار بفضله وأرسله ‏"‏ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ‏"‏ وخصه بالكتاب الذي أخرس الأمم عن مجاراته فلو ‏"‏ اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ‏"‏ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بسننه وسنته وأوضحوا شرعه الشريف لمن تلقاه بعدهم من أئمة أمته صلاة لا تزال بقاع الإيمان لأحكامها منبتة وأنواء الإيقان لأوامها مقلتة وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإنه لما كانت الأحكام الشرعية تتوقف على ملاحظة قضاء قضاتها في غالب الأمور وتستند إلى مراجعة أصول حكامها في أكثر مصالح الجمهور لم يكن بدٌّ من مراعاة أصولها التي إنما تنوب الفروع عنها وتدبر أحوال أحكام حكامها التي تنشأ أقضية النواب منها ولذلك لما أصبح منصب قضاء القضاة على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه بالشام المحروس لضعف مباشره الممتد في حكم الخالي وتعطل بعجزه المشتد مما ألف به قديماً حال حكمه الحالي وتمادى ذلك إلى أن ترقى الناس منه إلى درجة اليقين وتناهى الحكم فيه إلى أن يعين أن يرتاد من يتعين لمثله من الأئمة المتقين لئلا يخلو هذا المذهب من قاضي قضاة يقيم مناره ويديم أنواره ويرفع شعاره ويحيي مآثر إمامه وآثاره ويؤمن كمال أفقه أن يعاود سراره وكان المجلس السامي القاضوي الفخري هو الذي لا يعدوه الارتياد ولا يقف دونه الانتقاء والانقياد ولا تتجاوزه الإصابة في الاجتهاد‏:‏ لما عليه من علمٍ جعله مخطوباً للمناصب وعملٍ تركه مطلوباً للمراتب التي لاتذعن لكل طالب وتقى أعاده مرتقياً لكل أفقٍلا يصلح له كل شارق وورعٍ فتح له أبواب التلقي بالاستدعاء وإن لم تفتح لكل طارق وهو هجر الكرا في تحصيل مذهب إمام دار الهجرة إلى أن وصل إلى ما وصل وأنفق مدة عمره في اقتناء فوائده إلى أن حصل من الثروة بها على ما حصل فسارت فتاويه في الآفاق ونمت بركات فوائده التي أنفقها على الطلبة فزكت على الإنفاق - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نبقي فخر هذا المنصب الجليل بفخره وأن نخص هذا المذهب النبيل بذخره وأن نحلي جيده بمن نقلنا إلى وشام الوسام ما كان من حسن شنب العلم مختصاً بثغره‏.‏

فرسم بالأمر الشريف - لا زال لأحكام الشرع مقيماً وللنظر الشريف في عموم مصالح الإسلام وخصوصها مديماً أن يفوض إليه‏.‏

لما تقدم من تعينه لذلك وتبين من أنه لحكم الأولوية بهذه الرتبة من مذهب الإمام مالك مالك‏.‏

فليل هذه الوظيفة حاكماً بما أراه الله من مذهبه مراعياً في مباشرتها حق الله في الحكم بين عباده وحق منصبه مجتهداً فيما تبرأ به الذمة من الوقوف مع حكم الله في حالتي رضاه وغضبه واقفاً في صفة القضاء على ما نص فيه من شروطه وأوضح من قواعده وشرح من أدبه ممضياً حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقضيه رأي إمامه متوجاً الحكم بنصوصه المجمع عليها من أئمة مذهبه في نقض كل أمرٍ وإبرامه جارياً في ذلك على قواعد أحكام هذا المذهب الذي كان مشرقاً في ذلك الأفق بجماله وزينه واقفاً في ذلك جميعه مع رضا الله تعالى فإنه في كل ما يأتي ويذر بعينه والله تعالى يسدده في قوله وعمله ويبلغه من رضاه نهاية سوله وغاية أمله بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة الحنابلة كتب بها للقاضي علاء الدين منجى التنوخي وهي‏:‏ الحمد لله الذي رفع بعلاء الدين قضاء قضاته وأوضح الهدى في القيام في توليتهم بمفترضاته وأعلى منار الشرع بما أوقفهم عليه من أحكامه ووفقهم له من مرضاته‏.‏

نحمده حمداً نستعيد من بركاته ونستعيذ به أن نضل في ضوء مشكاته ونستعين عليه برب كل حكم يمدنا قلبه بسكونه وقلمه بحركاته ويثبت من جميل محضره لدينا ما يرفع مس شكاته ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً يستودع إخلاصها في قلوب تقاته وتفوض أحكامها إلى ثقاته ويحمى سرحها من أبطال الجلاد والجدال بكل مشتاقٍ إلى ملاقاته ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من حكم بما أنزل الله من آياته وجاهد في الله برأيه وراياته وشرع

من الدين ما ينجي المتمسك به من غواياته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أقام شرعه منهم بكماته وجعل حكمهم دائم النفوذ أبداً بأقلام علمائه وسيوف حماته وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فمنصب الحكم الذي به تفصل الأمور وتنفرج له الصدور وتتسدد أقلام حكامه سهاماً وتفيض غماماً وتتعلم منه الأسود زئيراً ويطول السيف صليلاً والرمح صريراً وتنتصب بين يدي حكامه الأقدام وتنتصف على أحكامه الخصام وتنكس الرؤوس لهيبته إطراقاًن وتغض المقل فما تدير جفوناً ولا تقلب أحداقاً ويجري بتصريفه قلم القضاء ويجاري مرهفه البروق فتقر له بالمضاء وقد شيد الله مبانيه في ممالكنا الشريفة مصراً وشاماً على أربعة أركان وجمع في قضائه الأئمة الأربعة لتكمل بهم فصول الزمان ومذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبلٍ رضي الله عنه هو بالسنة النبوية الطرا المذهب وطريقة السلف الصلاح في كل مذهب وقد تجنب من سلف من علمائه التأويل في كثير ووقف مع الكتاب والسنة وكل منهما هو المصباح المنير‏.‏

وكانت دمشق المحروسة هي مدار قطبهم ومطلع شموسهم ونجومهم وشهبهم وأهلها كثيراً ما يحتاجون إلى حاكم هذا المذهب في غالب عقد كل بيع وإيجار ومزارعةٍ في غلالٍ ومساقاةٍ في ثمار ومصالحةٍ في جوائح سماويةٍ لا ضرر فيها ولا ضرار وتزويج كل مملوكٍ أذن له سيده بحرةٍ كريمة واشتراطٍ في عقدٍ بأن تكون الامرأة في بلدها مقيمة وفسخٍ إن غاب زوجها ولم يترك لها نفقةً ولا أطلق سراحها وبيع أوقافٍ دائرةٍ لا يجد أرباب الوقف نفعاً بها ولا يستطيعون إصلاحها‏.‏

فلما استأثر الله بمن كان قد تكمل هذا المنصب الشريف بشرفه وتجمل منه ببقية سلفه حصل الفكر الشريف فيمن نقلده هذه الأمانة في عنقه ونهنيء هذا المنصب بطلوع هلاله في أفقه إلى أن ترجح في آرائنا العالية المرجح المرجى وتعين واحداً لما ابتلي الناس بالقضاء كان المنجى ابن المنجى طالما تطرزت له الفتاوى بالأقلام والتفت به حلقة إمام وخاف في طلب العلم من مضايقة الليالي فما نام - اقتضى حسن الرأي الشريف أن يفوض إليه قضاء القضاة بالشام المحروسة على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه‏.‏

فليحكم في ذلك بما أراه الله من علمه وآتاه من حكمه وبينه له من سبيل الهدى وعينه لبصيرته من سنن نبيه صلى الله عليه وسلم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى ولينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صح نقله عن إمامه وأصحابه من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه وقد كان - رحمه الله - إمام حقٍّ نهض وقد قعد الناس تلك المدة وقام نوبة المحنة وقام سيد تيمٍ رضي الله عنه نوبة الردة ولم تهب به زعازع المريسي وقد هبت مريساً ولا ابن أبي داود وقد جمع كل ذودٍ وساق له من كل قطرٍ عيساً ولا نكث عهد ما قدم إليه المأمون في وصية أخيه من المواثق ولا روعه صوت المعتصم وقد صب عليه عذابه ولا سيف الواثق فليقف على أثره وليقف بمسنده على مذهبه كله أو أكثره وليقض بمفرداته وما اختاره أصحابه الأخيار وليقلدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار وليحترز لدينه في بيع ما دثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله والاستبدال بما فيه المصلحة لأهله والفسخ على من غاب مدةً يسوغ في مثلها الفسخ وترك زوجةً لم يترك لها نفقة وخلاها وهي مع بقائها في زوجيته كالمعلقة وإطلاق سراحها لتتزوج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلقة وفيما يمنع مضاره الجار وما تفرع على قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا ضرر ولا ضرار ‏"‏ وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه وطلعت به أهلة علماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه‏.‏

وكذلك الجوائح التي يخفف بها عن الضعفاء وإن كان لا يرى بها الإلزام ولا تجري إلا مجرى المصالحة دليل الالتزام‏.‏

وكذلك المعاملة التي لولا الرخصة عندهم فيها لما أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض ولا أخذ قسم الغلال والمعامل هو الذي يزرع البذر ويحرث الأرض وغير ذلك مما هو محيط بمفرداته التي هي للرفق جامعة وللرعيا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة وإذا استقرت الأصول كانت الفروع لها تابعة والخط الشريف أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

  المرتبة الثانية من تواقيع الوظائف الدينية بدمشق

ما يكتب في قطع الثلث مفتتحاً بالحمد لله إن علت ربتة المتولي أو بأما بعد حمد الله إن انحطت رتبته عن ذلك بالمجلس السامي وفيها وظائف الوظيفة الأولى - قضاء العسكر‏.‏

وبها أربعة قضاة من المذاهب الأربعة كما بالديار المصرية‏.‏

الوظيفة الثانية - إفتاء دار العدل بدمشق‏.‏

وبها أربعة‏:‏ من كل مذهبٍ واحدٌ كما بالديار المصرية‏.‏

  الوظيفة الثالثة - الحسبة‏.‏

وهذه نسخة توقيع بالحسبة الشريفة‏:‏ الحمد لله مجدد النعم في دولتنا الشريفة لمن ضفت عليه ملابسها ومضاعف المنن في أيامنا الزاهرة لمن سمت به نفائسها ومولي الآلاء لمن بسق غرسا لديه فزهت بجماله ثمراتها وزكت مغارسها‏.‏

نحمده على نعمه التي تؤنس بالشكر أوانسها وتؤسس على التقوى مجالسها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً استضاء بنور الإيمان قابسها واجتنى ثمر الهدى غارسها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من أشرقت به معالم التوحيد فعمر دارسها وأشرق دامسها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين قلوبهم مشاهد الذكر وألسنتهم مدارسها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من أمضي له ما كان به أمر ورسم وجدد له من المناصب الدينية ما عرف به من قبل ووسم وأثبت لترقيه ما حتم له به من المراتب السنية بمقتضى الاستحقاق وحكم - من رقمت أوامرنا له حلة منصبٍ يجددها الإحسان وأمرت له مراسمنا بوظيفة تؤكد عوارفنا الحسان وأثلت له نعمنا منصباً أعد له من كمال الأهلية أكمل ما يعده لذلك الإنسان‏.‏

ولما كان فلان هو الذي تحلى من إحساننا بما يأمن معه سعيد رتبته من العطل واتسم من برنا وامتناننا بما هو في حكم المستقر له وإن ألوى به الدهر ومطل - اقتضى إحساننا أن نجدد له مواقع النعم ونشيد من رجائه مواضع ما شمله من البر والكرم ونري من عدق بنا رجاء أمله أننا نتعاهد سقيا آمال الأولياء والخدم‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

- لا زال بره شاملاً وبدره في أفق الإحسان كاملاً - أن يفوض إليه نظر الحسبة ويستمر في ذلك على حكم التوقيع الشريف الذي بيده لما سبق من اختياره لذلك واصطفائه وادخاره لهذا المنصب من كفاة أعيانه وأعيان أكفائه ولما تحلى به من رياسةٍ زانته عقودها وتكمل له من أصالةٍ ضفت عليه حبرها وسمت به برودها وتجمل به من نزاهةٍ أشرقت في أفق صعودها إلى الرتبة الجليلة سعودها واتصف به من كمال معرفةٍ نجزت له به من مطالب المناصب وعودها‏.‏

فليباشر ذلك معطياً هذه الوظيفة من حسن النظر حقها محققاً بجميل تصرفه تقدم أولويته وسبقها وليكن لأمر الأقوات ملاحظاً وعلى منع ذوي الغدر من الاحتكار المضيق على الضعفاء محافظاً وعلى الغش في الأقات مؤدباً ولإجراء الموازين على حكم القسط مرتباً ولمن يرفع الأسعار لغير سببٍ رادعاً ولمن لا يزعه الكلام من المطففين بالتأديب وازعاً ولقيم الأشياء محرراً ولقانون الجودة في المزروع والموزون مقرراً ولذوي الهيئات بلزوم شرائط المروءة آخذاً وعلى ترك الجمعِ والجماعات لعامة الناس مؤاخذاً ولتقوى الله تعالى في كل أمرٍ مقدماًن وبما يخلصه من الله تعالى لكل ما تقع به المعاملات بين الناس مقوماً وفي خصائص نفسه ما يغنيه عن تأكيد الوصايا وتكرار الحث على تقوى الله تعالى التي هي أشرف المزايا فليجعلها شعار نفسه ونجي أنسه ومسدد أحواله التي تظهر بها مزية يومه على أمسه والخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجةٌ بمقتضاه‏.‏

وهذهنسخة توقيع بنظر الحسبة الشريفة من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله مضافاً إلى نظر أوقاف الملوك وهي‏:‏ الحمد لله مثيب من احتسب ومجيب المنيب فيما اكتسب‏.‏

نحمده حمداً رب الأدب صرب الطرب ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً ظاهرة الحسب طاهرة النسب ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل من انتدى وانتدب وأدب أمته فأحسن الأدب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً يكتتم أجرها فليكتتب ويستتم بها كل صلاح ويغتنم بها كل فلاح وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن الحسبة الشريفة هي قانون جواد الأوضاع ومضمون مواد الإجماع تجمع إلى الشريعة الشريفة سياسةً يرهب جدها ويرهف حدها وتخشى الرعايا سطوات مباشها وتتنحى عما تصبه سيول بوادرها وأصحابها الآلة التي هي أخت السيف في التأثير ولكل منهما سطوةٌ تخاف لا فرق بينهما إلا ما بين التأنيث والتذكير وله التصرف المطلق والتعرف الذي يفتح من الحوانيت على أربابها كل بابٍ مغلق ولركوبه في المدينة زينةٌ يحشر لها الناس ضحى ورهبةٌ يغدو بها كل أمينٍ لشأنه مصلحا وإليه الرجوع في كل تقويم وهو المرجو في كل أمرٍ عظيم وهي بدمشق - حرسها الله تعالى - من أجل المناصب التي تتعلق عو إليها بيد متوليها وتؤمل منازل البدور وإن ربها ترجع إلى تصريفه أزمة الأمور وينتجع سحابه الهطل غمامة الجمهور وتحيا به سنةٌ عمريةٌ لولاها لضاقت رحاب المعاملات وضاعت بالغش المعايش المتداخلات وظهر الغبن في غالب ما يشرى ويباع وانتشر التطفيف الذي يزيل راجحة الميزان ونو الزراع ولكم ناب بحسن تدبيره عن الغمام ونظر في الدقيق والجليل للخاص والعام طالما انحط به سعرٌ غلا أن يقوم ووجد من الأقوات صنفٌ لا يوجد ولو بذل من الشمس دينارٌ والبدر درهم‏.‏

وكان المجلس السامي القضائي الأجلي الكبيري الصدري الرئيسي العالمي الكافلي الفاضلي الأوحدي الأثيري الماجدي الأصيلي العمادي مجد الإسلام شرف الرؤساء بهاء الأنام جمال الصدور فخر الأعيان خالصة الدولة صفوة الملوك والسلاطين‏:‏ أدام الله علوه هو الذي ربته السيادة على وسادها ولبته السعادة إلى مرادها وبنت العلياء قواعدها على عماده وثنت المراتب أعناقها متشوفةً إلى حسن اعتماده وباشر الجامع المعمور خصوصاً والأوقاف الشامية عموماً فعمرها وكثر أعدادها وأنمى من بركات نظرة متحصلاتها وثمرها وشيد في كل منها مواطن عبادة وملقتى حلقةٍ ومدار سبحةٍ ومفرش سجادة وأبى الله أن يقاس به أحدٌ والجامع الفروق ولذين أحسنوا الحسنى وزيادة فأوجب له جميل نظرنا أن نضاعف له الأجر في كل عمل إليه ينتسب ونزيده في رزقه سعةً‏:‏ من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب فرأينا أنه أحق أن يقلد من أمور الحسبة الشريفة حكمها المصرف وحكمها المعرف ويقام فيها بهدي من تقدمه في تقرير أمورها على أثبت القواعد وتقدير مصالحها على أجمل ما جرت به العوائد ويطهر أقواتها من الدنس فيما يحضر على الموائد وإخافة الأعناق من مضاربه التي تقطع ما غفا السيف عنه من مناط القلائد‏.‏

فرسم بالأمر الشريف العالي - لا زالت بمراسيمه تتلقى كل رتبة وتتوقى الدنايا بمن يقوم بالحسبة - أن يفوض إليه النظر على الحسبة الشريفة بدمشق وما معها من الممالك الشامية المضافة إليها بالمعلوم المستقر الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت‏:‏ مضافاً إلى ما هو بيده‏:‏ من نظر الأوقاف المبرورة بالشام وأوقاف الملوك خلا نظر الجامع المعمور إلى آخر وقت بحكم إفراده لمن عين له تفويضاً يضمه إلى ربائب كنفه ويعمه بمواهب شرفه ويحله في أعلى غرفه ويحليه بما يحسد الدر ما رمى من صدفه‏.‏

فاتق الله في أحوالك وانتق من يجمع عليه من النواب في أعمالك وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فمنك المنكر لا يعرف والمعروف منك لا ينكر واعتبر أحوال أرباب المعايش اعتباراً يصلح للناس أقواتهم ويرغد أوقاتهم ولا تدع صاحب سلعةٍ يتعدى إلى غير ما أحله الله له من المكاسب ولا صاحب معيشةٍ يقدم على تخلل خللٍ في المآكل والمشارب واقصد التسوية بالحق فإنه سواء فيه البائع والمشتري ولا فرق بين الرخيص والثمين وأقم الموازين بالقسط حتى لا تتمكن كفاتها أن تتحامل ولا تتحمل ولا يستطيع قلبها أن يميل مع من يتمول ولا يقدر لسانها أن يكتم الشهادة بالحق وإن كان مثقال حبةٍ من خردل واجعل لك على أهل المبايعات حفظةً لتظل أعمالهم لك تنسخ وتفقد الأسواق مما يتولد فيها من المفاسد فإن الشيطان ربما باض في الأسواق وفرخ‏.‏

وأرباب الصنائع فيهم من يدلس وفقهاء المكاتب منهم من لعرضه يدنس والقصاص غالبهم يتعمد الكذب في قصصه وأهل النجامة كم منهم من لعب مرةً بعقل امرأةٍ وأمات رجلاً بغصصه وآخرون ممن تضل بهم العقول وتظل حائرةً فيهم النقول وكثيرٌ ممن سوى هؤلاء يدك مبسوطةٌ عليهم وأحكامك محيطة بهم من خلفهم وبين يديهم فقوم منهم من مال وقلد مالكاً رضي الله عنه فيما رآه من المعاقبة تارةً بإنهاك الجسد وتارةً بإفساد المال فربما أطغى الغنى والمصباح فربما قطب‏.‏

وثم من لا يستقيم حتى يؤدب ومن لا يلم على شعثٍ وأي الرجال المهذب وفيك من الألمعية نورٌ باهر وكوكبٌ زاهر فلا حاجة إلى أن تلقي الوصايا أقلامها أيها يكفلك ولا تنبهك على زينة العفاف فيها وهل حللك والله تعالى يوفق اعتمادك ويوفر من التقوى زادك والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى‏.‏

الوظيفة الرابعة - وكالة بيت المال المعمور‏.‏

وهذه نسخة توقيع بوكالة بيت المال من إنشاء القاضي تاج الدين البانباري للقاضي نجم الدين أبي الطيب‏.‏

الحمد لله الذي جعل الطيبات للطيبين وهدى بالنجم المنير السبيل المبين وعدق بأئمة الدين مصالح المسلمين وآتانا بتفويضنا إليه وتوكلنا عليه شرفاً في الشأن وقوةً في اليقين‏.‏

نحمده على أن أعان بخيره وهو خير معين ونشكره على أن بصرنا في الإرادات بالملائكة المقربين ونصرنا في الولايات بالقوي الأمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أنوارها في القلب مشرقةٌ على الصفحات والجبين وأذكارها على اللسان جعلت الإنسان من صالح المؤمنين ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله هادي المهتدين وموضح شرعة الإحسان للمحسنين وابو الطيب وأبو القاسم كني بأولاده المطهرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من كان من السابقين الأولين ومنهم من كان مهيباً للكفر يهين ومنهم من تزوج بابنتي الرسول ولم يتفق ذلك لغيره من سالف السنين ومنهم من كان الخير ملء يديه‏:‏ فشمول البركة بشماله وذو الفقار في اليمين وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فأكرم التفويض ما صادف محلاً وأبرك الولايات ما وجد قدراً معلى وأحسن الإحسان ما أصبح به الحال محلى وأسنى الأنجم ما أشرق في مطلعه وتجلى وأحق الولاة بإعلاء منصبه من أقبلت عليه وجوه الإقبال حين تولى وأولى الولايات بإجمال النظر وإمعانه في تشييد شانه وتمكين مكانته ومكانه وحفظ حوزته من سائر أركانه - وكالة بيت المال المعمور التي بها تصان الأرض المقيسة ومنها تستبصر الآراء الرئيسة وبها يؤمن الاستيلاء على المحال والأبنية من كل جائر وبها تزاد قيم المبيعات مما هو لبيت المال ما بين عامرٍ وداثر وإلى متوليها تأتي الرغبات ممن يبتاع أرضاً وبه تمضى المصالح وتقضى وبه يظهر التمييز في الثمن الأرضى وهي في الشام فخيمة المقدار كريمة الآثار مرضيةٌ بالربح في كل أرض بينة المصالح في كل بناء دائرةٌ بالنجح في كل دار فلا يشيم برقها ويتوج فرقها ويوفيها حقها إلا من له علمٌ وتبصرة وعرفانٌ أوضح الطريق وأظهره وحسن رأي فيما آثره وأثره وصدارةٌ ورد بها منهل الكرام البررة‏.‏

وكان فلانٌ هو ذو السؤدد العريق والباسق في الدوح الوريق والمنتسب إلى أعز فريق والطيب أصلاً وفرعاً على التحقيق والإمام في علومه التي أصلت التفريع ووصلت التفريق والموفق فيما يأتي ويذر والله ولي التوفيق قد أشرق بدمشق نجمه نوراً وابتسم البرق الشامي به سروراً وتصدر بمحافلها فشرح صدوراً وابتنى له سؤدداً وجعل مكارم الأخلاق عليه سوراً تلقى بمحضره المسائل فتلقى منه ولياً مرشدا وتذكر لديه المباحث فتجد على ذهنه المتوقد هدى وإذا اضطرب قولٌ مشكلٌ سكن بإبانته وهدا إن تأول أصاب في تأويله وإن نظر في مصلحةٍ كان رأيه في السداد موافقاً لقيله وقد استخرنا الله تعالى - وهو نعم الوكيل - في توكيله‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه‏.‏

فليأت هذا المنصب المنصب وبل بركته من بابه وليخيم في فسيح رحابه ولينعم بجناته في جنابه وليحرر ما يباع من أملاك بيت المال بشروطه ولوازمه المسطورة في كتابه وليردع من استولى على أرضٍ باغتصابه فليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ‏:‏ وهو إما بناءٌ بإنشائه وإما غراسٌ بإنشابه وما يرتجع إلى بيت المال المعمور من أرضٍ وعقار وروضاتٍ ذات غراسٍ وأنهار وقرى وما يضاف إلى ذلك من آثار فليحرر مجموعه وليسلك في ذلك الطريقة المشروعة وليشفق إشفاق المتقين الماهدين لمآلهم ولينصح لنا وللمسلمين فهو وكيل بيت مالهم‏.‏

ومن مات ولا وارث له من عصبةٍ أو كلالة فإن لبيت المال أرضه وداره وماله‏.‏

وقد وكلنا إليك هذا التقليد وقلدناك هذه الوكالة ووالدك - رحمه الله - كانت مفوضةً إليه قديماً فلذلك أحيينا بك تلك الأصالة‏.‏

واعلم - أعزك الله - أن الوصايا إن طالت فقد طاب سبحها وإن أوجزت فقد كفى لمعها ولمحها وعلى الأمرين فقد أنارها هنا بالتوفيق صبحها وحسن بالتصديق شرحها وأطرب من حمام أقلامها صدحها والتقوى فهي أولها وآخرها وختمها وفتحها والله تعالى يسقي بك كل قضبةٍ ذوى صيحها والخير يكون إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيع شريف بوكالة بيت المال بالشأم أيضاً‏:‏ الحمد لله كافي من توكل عليه ومحسن مآل من فوض أمره إليه ومجمل مآب من قدم رجاءنا عند الهجرة إلى أبوابنا بين يديه ومقر عين من أسهر في استمطار عوارفنا بكمال الأدوات نحمده على نعمه التي جعلت سعي من أم كرمنا مشكوراً وسعد من قصد حرمنا مشهوراً وإقبال من أقبل إلى أبوابنا العالية محققاً يتقلب في نعمنا محبوراً وينقلب إلى أهله مسروراً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نعتضد فيها بالإخلاص ونعتصم ونتمسك في الدنيا والآخرة بعروتها التي لا تنفصم ونوكل في إقامة دعوتها سيوفنا التي لا تزال هي وأعناق جاحديها تختصم ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أضاءت شريعته فلم تخف على ذي نظر وأنارت ملته فأبصرها القلب قبل البصر وعمت دعوته فاستوى في وجوب إجابتها البشر واختصت أمته بعلماء يبصرون من في طرفه عمى ويظهرون حق من في باعه قصر صلى الله عليه وعلى آله الذين عملوا بما علموا وعدلوا فيما حكموا وحفظوا بالحق بيوت أموال الأمة فاشترك أهل الملة فيما غنموا صلاةً توكل الإخلاص بإقامتها وتكفل الإيمان بإدامتها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد‏:‏ فإن أهم ما صرفت إليه الهمم وأعم ما نوجب في اختيار الأكفاء له براءة الذمم وأخص ما اتخذنا الاستخارة فيه دليلاً وأحق ما أقمنا عنا فيه من أعيان الأمة وكيلاً لا يدع حقاً للأمة ما وجد إليه سبيلاً - أمر بيت مال المسلمين الذي هو مادة جهادهم وجادة جلادهم وسبب استطاعتهم وطريق إخلاصهم في طاعتهم وسداد ثغورهم وصلاح جمهورهم وجماع ما فيه إتقان أحوالهم واستقرار أمورهم ومن آكد مصالحه وأهمها وأخص قواعده وأعمها وأكمل أسباب وفوره وأتمها الوكالة التي تصون حقوقه أن تضاع وتمنع خواصه أن تشاع وتحسن عن الأمة في حفظ أموالها المناب وتتولى لكلٍّ من المسلمين فيما فرض الله لهم الدعوى والجواب ولذلك لم نزل نتخير لها من ذخائر العلماء من زان الورع سجاياه وكمل العلم مزاياه وانعقد الإجماع على كماله وقصرت الأطماع عن التحلي بجمال علمه‏:‏ وهل يبارى من كان علمه من جماله‏.‏

ولما كان المجلس السامي الشيخي الفلاني هو الذي ظهرت فضائله وعلومه ودل على بلوغ الغاية منطوق نعته ومفهومه وحلى علمه بالورع الذي هو كمال الدين على الحقيقة وسلك طريقة أبيه في التفرد بالفضائل فكان بحكم الإرث من غير خلافٍ صاحب تلك الطريقة مع نسب لنسيب ما مر حلاله وتقىً ما ورثه من أبيه عن كلالة وثباتٍ في ثبوت الحق لا تستفزه الأغراض وأناة في قبول الحكم لا تحيل جواهره الأعراض ووقوفٍ مع الحق لا يبعده إلى ما لا يجب وبسطةٍ في العلم بها يقبل ما يقبل ويجتنب ما يجتنب وتحقيقٍ تجري الدعاوى الشرعية على محجته وإنصافٍ لا يضر خصمه معه كونه ألحن منه بحجته مع وفادة إلى أبوابنا العالية تقاضت له كرمنا الجم وفضلنا الذي خص وعم - اقتضت آراؤنا الشريفة أن يرجع إلى وطنه مشمولاً بالنعم مخصوصاً من هذه الرتبة بالغاية التي يكبو دونها جواد الهمم منصوصاً على رفعة قدره التي جاءت هذه الوظيفة على قدر مداوماً لشكر أبوابنا على اختياره لها بعد إمعان الاختبار وإنعام النظر‏.‏

فرسم بالأمر الشريف أن تفوض إليه وكالة بيت المال المعمور بالشام المحروس‏.‏

فليرق هذه الرتبة التي هي من أجل ما يرتقى ويتلق هذه الوكالة التي مدار أمرها على التقى وهو خير ما ينتقى ويباشر هذه الوظيفة التي مناط حكمها في الورى الذي لا تستخف صاحبه الأهواء ولا تستفزه الرقى ولينهض بأعبائها مستقلاً بمصالحها متصدياً لمجالس حكمها العزيز لتحرير حقوق بيت المال وتحقيقها متلقياً ما يرد من أمر الدعاوى الشرعية التي يبت مثلها في وجهه بطريقها منقباً عن دوافع ما يثبت له وعليه محسناً عن بيت المال الوكالة فيما جره الإرث الشرعي إليه مستظهراً في المعاقدة بما جرت به العادة من جوه الاحتراز مجانباً جانب الحيف في الأخذ والعطاء بأبواب الرخص وأسباب الجواز منكباً في تشدده عن طريق الظلم الذي من تحلى به كان عاطلاً سالكاً في أموره جادة العدل فإنه سيان من ترك حقه وأخذ باطلاً مجتهداً في تحقيق ما وضح من الحقوق الشرعية وكمن متتبعاً ما غالت الأيام في إخفائه فإن الحق لا يضيع بقدم العهد ولا يبطل بطول الزمن‏.‏

وفي أوصافه الحسنة وسجاياه التي غدت بها أقلام أيامنا لسنة وعلومه التي أسرت إليها أفكاره والعيون وسنة ما يغني عن وصايا يطلق عنان اليراعة في تحديدها أو قضايا ينطق لسان البراعة في توكيدها ملاكها تقوى الله وهي سجية نفسه ونجية أنسه وحلية خلاله المعروفة في يومه وأمسه فيليقدمها في كل أمر ويقف عند رضا الله فيها لا رضا زيد ولا عمرو والله الموفق بمنه وكرمه‏.‏

الوظيفة الخامسة - الخطابة‏.‏

وهذه نسخة توقيع بالخطابة بالجامع الأموي كتب بها لزين الدين الفارقي من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي‏:‏ الحمد لله رافع الذين أوتوا العلم درجات وجاعل أرجاء المنابر بفضائل أئمة الأمة أرجات وشارح الصدوربذكره بعد أن كانت من قبل المواعظ حرجات الذي زان الدين من العلماء بمن سلمت له فيه الإمامة وصان العلم من الأئمة المتقين بمن أصحب له جامح الفضل يصرف كيف شاء زمامه ووطد ذروة المنبر الكريم لمن يحفظ في هداية الأمة حقه ويرعى في البداية بنفسه ذمامه ووطأ صدر المحراب المنير لمن إذا أم الأمة أرته خشية الله أن وجه الله الكريم أمامه‏.‏

نحمده على ما منحنا من صون صهوات المنابر إلا عن فرسانها وحفظ درجات العلم إلا عمن ينظر بإنسان السنة وينطق بلسانها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا تزال أفواه المحابر تثبت طروسها وأنواء المنابر تنبت غروسها وألسنة الإخلاص تلقي على المسامع من صحف الضمائر دروسها ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرفت المنابر أولاً برقيه إليها وآخراً بذكر اسمه الكريم عليها فهي الرتبة التي يزيد تبصرةً على ممر الدهور بقاؤها والدرجة التي يطول إلا على ورثة علمه ارتقاؤها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ذكرهم بأيام الله فذكروها وبصرهم بآلاء الله فشكروها وعرفهم بمواقع وحدانيته فجادلوا بسنته وأسنته الذين أنكروها صلاةً لا تبرح لها الأرض مسجداً ولا يزال ذكرها مغيراً في الآفاق ومنجداً وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإنه لما كانت الخطابة من أشهر شعائر الإسلام وأظهر شعار ملة سيدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام شرعها الله تعالى لإذكار خلقه بنعمه وتحذير عباده من نقمه وإعلام بريته بما أعد لمن أطاعه في دار كرامته من أنواع كرمه وجعلها من وظائف الأمة العامة ومن قواعد وراثة النبوة التامة يقف المتلبس بها موقف الإبلاغ عن الله لعباده ويقوم الناهض بفرضها مقام المؤدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أمته عن مراد الله ورسوله دون مراده ويقيمها في فروض الكفايات على سنن سبله ويستنزل بها مواد الرحمة إذا ضن الغيث على الأرض بوبله وكان المسجد الجامع بدمشق المحروسة هو الذي سارت بذكره الأمثال وقيل هذا من أفراد الدهر التي وضعت على غير مثال قد تعين أن نرتاد له بحكم خلوه من الأئمة من هو مثله فرد الآفاق وواحد العصر عند الإطلاق وإمام علماء زمانه غير مدافع عن ذلك وعلامة أئمة أوانه الذي يضيء بنور فتاويه ليل الشك الحالك وناصر السنة الذي تذب علومه عنها وحاوي ذخائر الفضائل التي تنمي على كثرة إنفاقه على الطلبة منها وشيخ الدنيا الذي يعقد على فضله بالخناصر ورحلة الأقطار الذي غدت نسبته إلى أنواع العلوم زاكية الأحساب طاهرة الأواصر وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل وناسك الدهر الذي صان الورع بامتداد الفضائل وقصر الأمل والعابد الذي أصبح حجة العارف وقدوة السالك والصادع بالحق الذي لا يبالي من أغضب إذا رضي الله ورسوله بذلك‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي خطبته لهذه الخطابة علومه التي لا تسامى ولا تسام وعينته لهذه الإمامة فضائله التي حسنت بها وجوه العلم الوسام حتى كأنها في فم الزمن ابتسام وألقى إليه مقاليدها كماله الذي صد عنها الخطاب وسد دونها أبواب الخطاب وقيل‏:‏ هذا الإمام الشافعي أولى بهذا المنبر وأحرى بهذا المحراب - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نحلي أعطاف هذا المنبر بفضله الذي يعيد عوده رطيباً ويضمخ طيباً منه ما ضم خطيباً وأن نصدر بهذا المحراب فلذلك رسم‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

- لا زال يولي الرتب الحسان ويجري بما أمر الله به من العدل والإحسان - أن تفوض إليه الخطابة والإمامة بجامع دمشق المحروس على عادة من تقدمه‏.‏

فليرق هذه الرتبة التي أمطاه الله ذروتها وأعطاه الفضل صهوتها وعينه تفرده بالفضائل لإذكار الأمة عليها ورجحه لها انعقاد الإجماع على فضله حتى كادت للشوق أن تسعى إليه لو لم يسع إليها حتى تختال منه بإمامٍ لا تعدو مواعظه حبات القلوب لأنها تخرج من مثلها ولا تدع خطبه أثراً للذنوب لأنها توكل ماء العيون بغسلها ولا تبقي نصائحه للدنيا عند المغتر بها قدراً لأنها تبصره بخداعها ولا تترك بلاغته للمقصر عن التوبة عذراً‏:‏ فإنها تحذره من سرعة زوال الحياة وانقطاعها ولا تجعل فوائده لذوي النجدة والبأس التفاتاً إلى أهل ولا ولدٍ لأنها تبشره بما أعد الله لمن خرج في سبيله ولا تمكن زواجره من نشر الظلم أن يمد إليه يداً لأنها تخبره بما في الإقدام على ذلك من إغضاب الله ورسوله‏.‏

فليطل - مع قصر الخطبة - للظالم مجال زجره وليطب قلب العالم العامل بوصف ما أعد الله له من أجره وليجعل خطبه كل وقتٍ مقصورةً على حكمه مقصودةً في وضوح المقاصد بين من ينهض بسرعة إدراكه أو يقعد به بطء فهمه فخير الكلام ما دل ببلاغته وإن قل وإذا كان قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنةً من فقهه فما قصر من حافظ على حكم السنة فيهما ولا أخل‏.‏

الحمد لله الذي جعل درجات العلماء آخذةً في مزيد الرقي وخص برفيع الدرجات من الأئمة الأعلام كل تقي وألقى مقاليد الإمامة لمن يصون نفسه النفيسة بالورع ويقي وأعاد إلى معارج الجلال من لم يزل يختار حميد الخلال وينتقي وأسدل جلباب السؤدد على من أعد للصلاة والصلات من قلبه وثوبه كل طاهر نقي‏.‏

نحمده على أن أعلى علم الشرع الشريف وأقامه وجعل كلمة التقوى باقيةً في أهل العلم إلى يوم القيامة ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عدل قيد الفضل بالشكر وأدامه وأيد النعمة بمزيد الحمد فلا غرو أن جمع بين الإمامة والزعامة ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أعلى الله به عقيرة مرتل الأذان ومدرج الإقامة وأغلى ببركته قيمة من تمسك بسبيل الهدى ولازم طريق الاستقامة صلى الله عليه وعلى آله الذين عقدوا عهود هذا الدين وحفظوا نظامه وعلى أصحابه الذين ما منهم إلا من اقتدى بطريقه فاهتدى إلى طرق الكرامة صلاةً لا تزال بركاتها تؤيد عقد اليقين وتديم ذمامه وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

أما بعد فإن من شيم دولتنا الشريفة أن ترفع كل عالي المقدار مكاناً علياً وتجعل له من اسمه وصفته قولاً مسمعاً وفعلاً مرضياً وتوطد له رتب المعالي وتزيد قدره فيها رقياً وتكسوهم من جلباب السؤدد مطرفاً مباركاً وطياً وتطلق لسان إمامه بالمواعظ التي إذا تعقلها أولو الألباب ولما كان المجلس العالي هو الذي أعز أحكام الشريعة الشريفة وشادها وأبدى من ألفاظه المباركة المواعظ الربانية وأعادها وأذاع فيها أسرار اليقين وزادها وأصلح فسادها وقوم منادها وكيف لا وقد جمع من العلوم أشتاتاً وأحيا من معالم التقى رفاتاً وأوضح من صفات العلماء العاملين بهديه وسمته هدياً وسماتاً فلذلك خرج الأمر الشريف الصالحي العمادي‏.‏

قلت‏:‏ وهذه نسخة توقيع بخطابته أيضاً أنشأته للشيخ شهاب الدين بن حاجي‏.‏

الحمد لله الذي أطلع شهاب الفضائل في سماء معاليها وزين صهوات المنابر بمن قرت عيونها من ولايته المباركة بتواليها وجمل أعوادها بأجل حبرٍ لو تستطيع فرق قدرتها لسعت إليه وفارقت - خرقاً للعادة - مبانيها وشرف درجها بأكمل عالمٍ ما وضع بأسافلها قدماً إلا وحسدتها على السبق إلى ما مس قدمه أعاليها‏.‏

نحمده على أن خص مطاقع الخباء من فضل اللسن بالباع المديد وقصر الجامع الأموي على أبلغ خطيبٍ يشيب في تطلب مثله الوليد وأفرد فريد الدهر باعتبار الاستحقاق برقي درج منبره السعيد ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تخفق على مواكب الصفوف أعلامها وتتوفر من تذكير آلاء الله تعالى أقسامها ولا تقصر عن تبليغ المواعظ حبات القلوب أفهامها ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي نبه القلوب الغافلة من سناتها وأيقظ الخواطر النائمة من سباتها وأحيا رميم الأفئدة بقوارع المواعظ بعد مماتها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين علا مقامهم ففاتت أعاقبهم الرؤوس ورفعت في المجامع رتبهم فكانت منزلتهم منزلة الرئيس من المرؤوس صلاةً لا تزال الأرض لها مسجداً ولا يبرح مفترق المنابر باختلااق الآفاق لاجتماعها مورداً‏.‏

وبعد فإن أولى ما صرفت العناية إليه ووقع الاقتصار من أهم المهمات عليه - أمر المساجد التي أقيم بها للدين الحنيف رسمه وبيوت العبادات التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه لاسيما الجوامع التي هي بمنزلة الملوك من الرعية وأماثل الأعيان من بين سائر البرية ومن أعظمها خطراً وأبينها في المحاسن أثراً وأسيرها في الآفاق النائية خبراً بعد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها ويعول في قصد الزيارة عليها - جامع دمشق الذي رست في الفخر قواعده وقامت على ممر الأيام شواهده وقاوم الجم الغفير من الجوامع واحده ولم تزل الملوك تصرف العناية إلى إقامة شعائر وظائفه وتقتصر من أهل كل فنٍّ على رئيس ذلك الفن وعارفه فما شغرت به وظيفةٌ إلا اختاروا لها الأعلى والأرفع ولا وقع التردد فيها بين اثنين إلا تقيلوا منهما الأعلم والأروع خصوصاً وظيفة الخطابة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم للقيام بها متصدياً ولما كان المجلس العالي القاضوي الشيخي الكبيري العالمي الفاضلي الأوحدي الأكملي الرئيسي المفوهي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الورعي الخاشعي الناسكين الإمامي العلامي الأثيلي العريقي الأصيلي الحاكمي الخطيبي الشهابي جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء المجتهدين حجة الأمة عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي المسلمين معز السنة قامع البدعة مؤيد الملة شمس الشريعة حجة المتكلمين لسان المناظرين بركة الدولة خطيب الخطباء مذكر القلوب منبه الخواطر قدوة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو العباس أحمد أدام الله تعالى نعمته‏:‏ هو الذي خطبته هذه الخطابة لنفسها وعلمت أنه الكفء الكامل فنسيت به في يومها ما كان من مصاقع الخطباء في أمسها إذ هو الإمام الذي لا تسامى علومه ولا تسام والعلامة الذي لا تدرك مداركه ولا ترام والحبر الذي تعقد على فضله الخناصر والعالم الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده المناظر والحافظ الذي قاوم علماء زمانه بلا منازع وعلامة أئمة أوانه من غير مدافع وناصر السنة الذي يذب بعلومه عنها وجامع أشتات الفنون التي يقتبس أماثل العلماء منها وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل وناسك الدهر الذي قصر عن مبلغ مداه الأمل ورحلة الأقطار الذي تشد إليه الرحال وعالم الآفاق الذي لم يسمح الدهر له بمثال - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نرفعه من المنابر على علي درجها ونقطع ببراهينه من دلائل الإلباس الملبسة داحض حججها ونقدمه على غيره ممن رام إبرام الباطل فنقض وحاول رفع نفسه بغير أداة الرفع فخفض‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري المعزي - لا زال يرفع لأهل العلم راساً ويحقق لذوي الجهل من بلوغ المراتب السنية ياساً - أن يفوض إلى المجلس العالي المشار إليه خطابة الجامع المذكور بانفراده على أتم القواعد وأكملها وأحسن العوائد وأجملها‏.‏

فليرق منبره الذي عاقب فيه رامحه الطالع أعزل غيره الغارب وليتبوأ ذروة سنامه الأرفع من غير شريك له ولا حاجب وليقصد بمواعظه حبات القلوب ويرشق شهاب قراطيسها المانعة فإنها الغرض المطلوب وليأت من زواجر وعظه بما يذهب مذهب الأمثال السائرة ويرسلها من صميم قلبه العامر فإن الوعظ لا يظهر أثره إلا من القلوب العامرة ويقابل كل قوم من التذكير بما يناسب أحوالهم على أكمل سنن ويخص كلاً من أزمان السنة بما يوافق ذلك الزمن والوصايا كثيرةٌ وإنما تهذيب العلم يغني عنها وتأديب الشريعة يكفي مع القدر اليسير منها وتقوى الله تعالى ملاك الأمور وعنده منها القدر الكافي والحاصل الوافي والله تعالى يرقيه إلى أرفع الذرى الوظيفة السادسة - التداريس الكبار بدمشق المحروسة‏.‏

وهذه نسخة توقيع بتدريس المدرسة الريحانية كتب به لقاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضاً عن جلال الدين الرازي‏.‏

كتب بسؤال بعض كتاب الإنشاء وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل عماد الدين علياً وأحكم مباني من حكم فلم يدع عصياً وقضى في سابق قضائه لإمضاء قضائه أن لا يبقي عتياً‏.‏

نحمده على ما وهب به من أوقات الذكر بكرةً وعشياً ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنبه بالعلم بوحدانيته من كان غبياً وتكبت لمقاتل سيوف العلماء من كان غوياً ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي كان عند ربه رضياً وعلى ذبه عما شرع من الدين مرضياً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لا يزال فضل قديمها مثل حديثها مروياً وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فلما كانت رتب العلم هي التي يتنافس عليها ويتطاول إلى التنقل إليها ويختار منها ما كسي بمباشرة المتقدم ملابس الجلال وآن له أن ينتقل إليه البدر بعد الهلال وكانت المدرسة الريحانية بمحروسة دمشق هي ريحانة المجالس وروضة العلم الزاكية المغارس وبحر الفوائد الذي يخرج الفرائد ومسرح العلماء الذي قد آن أن يظفر به منهم من الألف زائد‏.‏

ولما توفي من آلت إليه وعالت مسألتها إلا عليه وكان ممن قد ولي الأحكام استقلالاً وكان لبصر الدنيا جلاءً وللدين جلالاً لم تكن إلا لمن ينسى به ذلك الذاهب وينسب إليه علم مذهبه كله وإن كان لا يقتصر به على بعض المذاهب ويعرف من هو وإن لم يصرح باسمه ويعرف من هو وإن لم يذكر بعلاء قدره العلي وعلمه ولا يمترى أنه خلف أبا حنيفة فيمن خلف وحصل على مثل ما حصل عليه القاضي أبو يوسف وذهب ذلك في السلف الأل مع من سلف وأعلم بجداله أن محمد بن الحسن ليس من أقران أبي الحسن وأن زفر لم يرزق طيب أنفاسه في براعة اللسن وأن الطحاوي ما طحا به قلبٌ إلى الحسان طروب والقاضي خان لديه منه الأنبوب وتلقب شمس الأئمة لما طلع علم أنه قد حان من شمس النهار غروب والرازي لما جاء تيقن أنه يروزه عن علم الجيوب والمرغيناني مس ولم يرغن له في مطلوب والثلجي ما برد لطالب غله والخبازي لم يوجد عنده لطعامٍ فضلة والهنداوني ما أجدى في جلاد الجدال ولا هز نصله ولم يزل يشار إليه والتقليد الشريف له بالحكم المطلق بما تضمنه من محاسن أوصافه شاهد ودست الحكم على على كيوان شائد ومدارس العلم تسر من حبه ما حنيت عليه من محاريبها الأضالع ومجالس القضاء تظهر بقربه ما لم يكن تدانى إليه المواضع‏.‏

وكان الجناب الكريم العالي القضائي الأجلي الإمامي الصدري العالمي العاملي العلامي الكاملي الفاضلي الأوحدي المفيدي الورعي الحاكمي العمادي ضياء الإسلام شرف الأنام صدر الشام أثير الإمام سيد العلماء والحكام رئيس الأصحاب معز السنة مؤيد الملة جلال الأئمة حكم الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن الطرسوسي الحنفي قاضي القضاة بالشام - نشر ملاءة مذهبه وحلى بجلوسه للحكم طرفي النهار إضاة مفضضه وتوشيع مذهبه طالما ساس الرعية بحكمه وساد نظراءه في معرفة العلوم الشرعية بعلمه وحكمه وسار مثل فضله في الأقطار وضوء الشمس مرد شعاعه فطال إلى السماء وقصر الأفق الممتد على طول باعه وفاض فيض الغمام وما اكتال البحر بكيله ولا صار مثل صاعه وعرضت عليه هذه المدرسة التي لم يكن لغيرهأن يحبى ريحانتها ولا أن تؤدى إلى يد سواه فيودع أمانتها فآثرها على أنه ترك المدرسة المقدمية المتقدم له درسها المعظم به في كل حينٍ غرسها ليوسع بها على الطالب مذهبه ويفرغ لها ساعةً من أوقاته المنتهبة ويهب لها من حقه الذي هو في يده ما لو شاء ما وهبه‏.‏

فرسم بالأمر الشريف - لا زال يقرب الآماد ويرضي القوم وأقضاهم علي وأثبتهم طوداً العماد - أن يفوض إليه تدريس المدرسة الريحانية المعينة أعلاه على عادة من تقدمه وقاعدته إلى آخر وقت بحكم تركه للمقدمية ليهب عليه روحها وتهب له السعادة ريحها ولها من البشرى بعلمه ما تميس به ريحانة ريحها سروراً وتميد وقد أكنت جبلاً من العلم وقوراً وتمتد وقد نافحت في مسكة الليل عبيراً وفي أقحوانة الصباح كافوراً وما نوصي مثله - أجل الله قدره - بوصية إلا وهو يعلمه ويلقنها من حفظه ويعلمها ومن فصل قضائه تؤخذ الآداب وتنفذ سهام الآراء والآراب‏.‏

وتقوى الله بها باطنه معمور وكل أحدٍ بها مأمور وما نذكره بها إلا على سبيل التبرك بذكرها والتمسك بأمرها‏.‏

والفقهاء والمتفقهة هم جنده وبهم يجد جده فليجعلهم له في المشكلات عدة وليصرف في الإحسان إليهم جهده والله تعالى يعينه على ما ولي ويعينه لكل علياء لا يصلح أن يحلها إلا علي‏.‏

وسبيل كل واقفٍ عليه العمل به بعد الخط الشريف أعلاه‏.‏

الوظيفة السابعة - التصادير بدمشق المحروسة‏.‏

وهذه نسخة توقيع أنشأته لقاضي القضاة بدر الدين محمد ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء وولده جلال الدين محمد بإعادة تصديرين كانا باسمهما بالجامع الأموي بدمشق‏:‏ أحدهما انتقل إليهما عن سلفهما والثاني بنزول وخرج عنهما عند استيلاء تنم نائب الشام على الشام في سنة اثنتين وثمانمائة ثم أعيد إليهما في شوال من السنة المذكورة في قطع الثلث وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل بدر الدين في أيامنا الزاهرة متواصل رتب الكمال متردداً في فلك المعالي بأكرم مساغٍ بين بهاءٍ وجلال منزهاً عن شوائب النقص في جميع حالاته‏:‏ فإما مرتقب الظهور في نحمده على أن أقر الحقوق في أهلها وانتزع من الأيدي الغاصبة ما اقتطعته الأيام الجائرة بجهلها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تحمي قائلها من شوائب التكدير وتصون منتحلها من عوارض الإصدار إذا ورد أصفى مناهل التصدير ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل نبيٍّ اقتفت أمته آثاره واتبعت سننه وأكرم رسولٍ دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الحق وأعلام الهدى وحماة الدين وكفاة الردى صلاةً يبقى على مدى الأيام حكمها ولا يندرس على ممر الليالي رسمها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من رعيت له الحقوق القديمة وحفظت له مساعيه الكريمة وخلدت عليه النعم التي حق لها أن تكون بأهلها مقيمة من كرم أصلاً وطاب فرعاً وزكا منبعاً وعذب نبعاً ووقع الإجماع على فضله المتواتر فأعدق الحكم بتفضيله قطعاً ومن إذا تكلم فاق بفضله نثر اللآلي وإذا قدر قدره انحطت عن بلوغ غايته المعالي وإذا طلع بدره المضيء من أفق مجلسه الموروث عن أبيه وأعمامه قال‏:‏ ليت أشياخي شهدوا هذا المجلس العالي ومن إذا جلس بحلقته البهية غشيته من الهيبة جلالة وإذا أطافت به هالة الطلبة والمستفيدين قيل‏:‏ ما أحسن هذا البدر في هذه الهالة‏!‏ ومن تتيه طلبته على أكابر العلماء بالانتماء إليه وتشمخ نفوس تلامذته على غيره من المتصدرين بالجلوس بين يديه ومن إذا أقام بمصر طلع بالشام بدره ولو أقام بالشام وكان المجلس العالي القاضوي الكبيري العالمي العاملي الأفضلي الأكملي الأوحدي البليغي الفريدي المفيدي النجيدي القدوي الحجي المحققي الإمامي الأصيلي البدري جمال الإسلام والمسلمين شرف العلماء العاملين أوحد الفضلاء المفيدين قدوة البلغاء حجة الأدب عمدة المحدثين فخر المدرسين مفتي الفرق أوحد الأئمة زين الأمة خالصة الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد ابن المجلس العالي القاضوي الكبيري المرحومي البهائي أبي البقاء الشافعي السبكي ضاعف الله تعالى نعمته‏:‏ هو عين أعيان الزمان والمحدث بفضله على ممر الليالي وليس الخبر كالعيان ما ولي منصباً من المناصب الدينية إلا كان له أهلاً ولا أراد الانصراف من مجلس علم إلا قال له مهلاً ولا استبدل به في وظيفة إلا نسب مستبدله إلى الحيف ولا صرف عن ولايةٍ إلا قال استحقاقه‏:‏ كيف ساغ ذلك لمتعاطيه فكيف وكيف‏.‏

وكان ولده المجلس السامي القضائي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي البارعي الأصيلي العريقي الجلالي ضياء الإسلام فخر الأنام زين الصدور جمال الأعيان نجل الأفاضل سليل العلماء صفوة الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين أبو محمد بلغ الله تعالى فيه عارفيه غاية الأمل وأقر به عين الزمان كما أقر به عين أبيه وقد فعل قد أرضع لبان العلم وربي في حجره ونشأ في بيته ودرج من وكره وكمل له سؤدد الرفين‏:‏ أباً وأماً وحصل على شرف المحتدين‏:‏ خالاً وعماً لم يقع عليه بصر متبصر إلا قال‏:‏ نعم الولد ولا تأمله صحيح النظر إلا قال‏:‏ هذا الشبل من ذاك الأسد ولا رمى والده إلى غايةٍ إلا أدركها ولا أحاط به منطقة طلبةٍ إلا هزها للبحث وحركها ولا اقتفى أثر أبيه وجده في مهيع فضلٍ إلا قال قائله‏:‏ أكرم بها من ذريةٍ ما أبركها‏!‏ واتفق أن خرج عنهما ما كان باسمهما من وظيفتي التصدير بالجامع الأموي المعمور بذكر الله تعالى بدمشق المحروسة‏:‏ المنتقلة إحداهما إليهما عن سلفيهما الصالح قدماً والصائرة الأخرى بطريقٍ شرعي معتبرٍ وضعاً وثابتٍ حكماً - اقتضى حسن الرأي الشريف أن يحفظ لهما سالف الخدمة ويرعى لهما قديم الولاء فالعبرة في التقديم عند الملوك بالقدمة‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال لذوي البيوت حافظاً وعلى الإحسان لأهل العلم الشريف على ممر الزمان محافظاً - أن يعاد ذلك إليهما ويوالى مزيد الإحسان عليهما فيلتقيا ذلك بالقبول ويبسطا بالقول ألسنتهما فمن شمله إنعامنا الشريف حق له أن يقول ويطول وملاك أمرهما التقوى فهي خير زاد والوصايا وإن كثرت فعنهما تؤخذ ومنهما تستفاد والله تعالى يقر لهما بهذا الاستقرار عينا ويبهج خواطرهما بهذه الولاية إبهاج من وجد ضالته فقال‏:‏ ‏"‏ هذه بضاعتنا ردت إلينا ‏"‏‏.‏

والاعتماد في ذلك على الخط الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه إن شاء الله تعالى‏.‏

  الوظيفة الثامنة - النظر‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنظر البيمارستان النوري كتب بها لمن لقبه شهاب الدين وهي‏:‏ رسم‏.‏

- لا زال يطلع في سماء المناصب السنية من ذوي الأصالة والكفاية شهاباً ويوزع المستحقين بجهات البر شكره إذ اختار لهم من أهل النهضة من ارتدى العفاف جلباباً ويودع صحائف الأيام ذكره الجميل حين أحيا قربات الملوك السالفين بانتخاب من يجدد لهم بحسن المباشرة ثواباً - أن يحمل مجلس الأمير فلان‏:‏ أعزه الله تعالى فيما هو بيده من نظر البيمارستان النوري بدمشق المحروسة على حكم التوقيع الكريم والولاية الشرعية اللذين بيده واستقراره في ذلك بمقتضاهما استقراراً يبسط في هذا المنصب يده ولسانه ويظهر شهاب عدله الذي يحرق من الجور شيطانه ويبرز من مباشرته ما عرف جوهره بحسن الانتقاء وإبريزه بحسن الانتقاد ومن تأثيره ما تبلغ به الأنفس المراد بأوسع مراد ويبدي من تدبيره ما ينتج تمييز الوقف وتثميره‏.‏

فليباشر ذلك على عادة مباشرته الحسنة وليسلك فيها ما عهد من طريقته المستحسنة محصلاً من المفردات ما يصرفها لمستحقها وقت الحاجة إليها مثابراً على حسن معالجة المضرور الذي لا تقدر يده من العجز عليها مواصلاً فعل الخير باستمرار صدقات الواقف ليشاركه في الأجر والثواب مستجلباً له من الدعاء ولنا بمشاركته في الأمر بالعمل بسنته إلى يوم المآب ضابطاً أموال هذه الجهة بتحرير الأصول والمطلق والحساب والحساب متقدماً إلى الخدام والقومة بحسن الخدمة للعاجز والضعيف مؤكداً عليهم في أخذهم بالقول اللين دون الكلام العنيف ملزماً لهم بجودة الخدمة ليلاً ونهاراً مؤاخذاً لهم بما يخلون به من ذلك إهمالاً وإقصاراً متقدماً إلى أرباب وظائف المعالجة ببذل النصيحة واستدراك الأدواء المسقمة بإتقان الأدوية الصحيحة وليتفقد الأحوال بنفسه‏:‏ ليعلم أهل المكان أن وراءهم من يقابلهم على التقصير وليبذل في ذلك جهده فإن الاجتهاد القليل يؤثر الخير الكثر‏.‏

والوصايا كثيرةٌ وعنده من التأدب بالعلم وحسن المباشرة ما فيه كفاية وفي أخلاقه من جميل المآثر وما حازه في البداية ما ينفعه في النهاية ولكن تقوى الله عز وجل هي السبب الأقوى والمنهل الذي من ورده يروى فليجعلها له ذخيرةً ليوم المعاد ومعقلاً عند الخطوب الشداد والله تعالى يبلغه من التوفيق الأمل والمراد بمنه وكرمه‏!‏ والاعتماد‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

  الصنف الثالث من تواقيع أرباب الوظائف بحاضرة دمشق

- تواقيع أرباب الوظائف الديوانية وفيها مرتبتان الضرب الأول تواقيع الوزارة بالمملكة الشامية على ما استقر عليه الحال فقد ذكر في التعريف أنه يكتب بالشام للصاحب عز الدين أبي يعلى حمزة بن القلانسي رحمه الله بالجناب العالي لجلالة قدره وسابقة خدمه وعناية من كتب له بذلك‏.‏

لكنه لم يبين مقدار قطع الورق لذلك‏.‏

ولا يخفى أنه كتب به في قطع الثلثين على القاعدة في أنه يكتب للجناب في قطع الثلثين‏.‏

وقد ذكر بعد ذلك أن الذي استقر عليه الحال أنه يكتب للوزير بالشام المجلس العالي بالدعاء كما كتب للصاحب أمين الدين أمين الملك‏.‏

وفيه وظائف‏:‏ الوظيفة الأولى - ولاية تدبير الممالك الشامية‏.‏

وهذه نسخة توقيع للصاحب أمين الملك المذكور بتدبير الممالك الشامية والخواص الشريفة والأوقاف المبرورة من إنشاء الصلاح الصفدي وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل ولي أيامنا الزاهرة أميناً وأحله من ضمائرنا الطاهرة مكاناً أينما توجه وجده مكينا وخصه بالإخلاص لدولتنا القاهرة فهو يقيناً يقينا وعضد بتدبيره ممالكنا الشريفة فكان على نيل الأمل الذي لا يمين يمينا وزين به آفاق المعالي فما دجا أمرٌ إلا كان فكره فيه صحيحاً مبينا وجمل به الرتب الفاخرة فكم قلد جيدها عقداً نفيساً ورصع تاجها دراً ثمينا وأعانه على ما يتولاه فهو الأسد الأسد الذي اتخذ الأقلام عرينا‏.‏

نحمده على نعمه التي خصتنا بولي تتجمل به الدول وتغنى الممالك بتدبيره عن الأنصار والخول وتحسد أيامنا الشريفة عليه أيام من مضى من الدول الأول ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستمطر بها صوب الصواب ونرفل منها في ثوب الثواب ونعتد برها واصلاً ليوم الفصل والمآب ونشهد أن محمداً عبده الصادق الأمين ورسوله الذي لم يكن عن الغيب بضنين وحببه الذي فضل الملائكة المقربين ونجيه الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حجةً على الملحدين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين صحبوا ووزروا وأيدوا حزبه ونصروا وعدلوا فيما نهوا وأمروا صلاةً تكون لهم هدىً إذا حشروا وتضوع لهم عرفهم في العرف وتطيب نشرهم إذا نشروا وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين‏.‏

وبعد فإن أشرف الكواكب أبعدها داراً وأجلها سرىً وأقلها سراراً وأعلاها مناراً وأطيب الجنات جناباً ما طاب أرجاً وثماراً وفجر خلاله كل نهرٍ يروع حصاه حالية العذارى ورنحت معاطف غصونه سلاف النسيم فتراها سكارى ومدت ظلال الغصون فتخال أنها على وجنات الأنهار تدب عذاراً‏.‏

وكانت دمشق المحروسة لها هذه الصفات وعلى صفاها تهب نسمات هذه السمات لم يتصف غيرها بهذه الصفة ولا اتفق أولوا الألباب إلا على محاسنها المختلفة فهي البقعة التي يطرب لأوصاف جمالها الجماد والبلد الذي ذهب بعض المفسرين إلى أنها إرم ذات العماد وهي في الدنيا أنموذج الجنة التي وعد المتقون ومثال النعيم للذين عند ربهم يرزقون وهي زهرة ملكنا ودرة سلكنا وقد خلت هذه المدة ممن يراعي تدبيرها ويحمي حوزتها ويحاشيها من التدمير ويملأ خزائنها خيراً يجلى إذا ملأنا ساحتها خيلاً ورجلاً - تعين أن ننتدب لها من جربناه بعداً وقرباً وهززناه مثقفاً وسللناه عضباً وخبأناه في خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدخر وأعز ما يخبى كم نهى في الأيام وأمر وكم شد أزراً لما وزر وكم غنيت به أيامنا عن الشمس وليالينا عن القمر وكم رفعنا راية مجدٍ تلقاها عرابة فضله بيمين الظفر وكم علا ذرا رتبٍ تعز على الكواكب الثابتة فضلاً عمن ينتقل في المباشرات من البشر وكم كانت الأموال جمادى وأعادها ربيعاً غرد به طائر الإقبال وصفر‏.‏

ولما كان الصاحب أمين الملك هو معنى هذه الإشارة وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدارة نزل من العلياء في الصميم وفخرنا بأقلامه التي هي سمر الرماح كما فخرت بقوسها تميم وحفظت الأموال في دفاتره التي يوشيها فأوت إلى الكهف والرقيم وقال لسان قلمه‏:‏ ‏"‏ اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم ‏"‏ وعقم الزمان أن يجيء بمثله إن الزمان بمثله لعقيم وتشبه به أقوامٌ فبانوا وبادوا وقام منهم عباد العابد فلما قام عبد الله كادوا - أردنا أن تنال الشام حللت بهذا حلةً ثم حلةً بهذا فطاب الواديان كلاهما فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه تدبير الممالك الشريفة ونظر الخواص الشريفة والأوقاف المبرورة على عادة من تقدمه في ذلك‏.‏

فليتلق هذه الولاية بالعزم الذي نعهده والحزم الذي شاهدناه ونشهده والتدبير الذي يعترف الصواب له ولا يجحده حتى يثمر الأموال في أوراق الحساب وتزيد نمواً وسمواً فتفوق الأمواج في البحار وتفوت القطر من السحاب مع رفق يكون في شدته ولينٍ يزيد مضاء حدته وعدلٍ يصون مهلة مدته والعدل يعمر والغدر يدمر ولا يثمر بحيث إن الحقوق تصل إلى أربابها والمعاليم تطلع بدور بدرها كاملةً كل هلالٍ على أصحابها والرسوم لا تزداد على الطاقة في بابها والرعايا يجنون ثمر العدل في أيامه متشابهاً وإذا أنعمنا على بعض أوليائنا بنحلٍ فلا يكدر وردها بأن تؤخر وإذا استدعينا لأبوابنا بمهم فليكن الإسراع إليه يخجل البرق المتألق في السحاب المسخر فما أردناك إلا لأنك سهمٌ خرج من كنانة وشهمٌ لا ينهي إلى الباطل عيانه وعنانه فاشكر هذه النعمة على منائحها وشنف الأسماع بمدائحها متحققاً أن في النقل بلوغ العز والأمل وأنه لو كان في شرف المأوى بلوغ منىً لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل فاستصحب الفرح والجذل بدل الفكر والجدل‏.‏

ويعبر عنها بصحابة ديوان الإنشاء الشريف بدمشق‏.‏

وشأنه هناك شأن كاتب السر بالأبواب السلطانية‏.‏

وهذه نسخة توقيع بصحابة ديوان الإنشاء بالشام كتب بها لفتح الدين ابن الشهيد من إنشاء القاضي ناصر الدين بن النشائي في مستهل ذي القعدة سنة أربع وستين وسبعمائةٍ وهي‏:‏ الحمد لله مجزل المن والمنح ومرسل سحائب العطاء السمح ومعمل فكرنا الشريف في انتخاب من أورى زند الخير بالقدح ومنقل السر بين الأفاضل من صدرٍ إلى صدرٍ بحمىً يصون له السرح ويغني مشهور ألفاظه عن الشرح ومجمل بناء الدين بما سكن به من صميم الفضل المبين وما اقترن بأبوابه من حركة الفتح‏.‏

نحمده على نعم عاطرة النفح ونشكره على مننٍ عالية السفح ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تنجي قائلها من حر الجحيم وتقية شر شرر ذلك اللفخ وتخطب بها ألسنة الأقلام على منابر الأنامل فتنشيء عندها من مطربات الورق على غصون الأوراق هديل الصدح ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وعامل الأمة بالنصح وأزال عنهم الترح وأمنه الله على أسرار وحيه فكان أشرف أمينٍ خصه الله في محكم آياته بالمدح وجعله أعظم من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فلم تأخذه في الله لومة لائم ممن لحا وممن لم يلح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الوفاء والصفاء والصفاح والصفح والذين جاهدوا في الله حق جهاده بالنفس والمال والكد والكدح ورفعوا أعلامهم المظللة ونصبوا أقلامهم المعدلة فكم لهم في المشركين من جراحٍ لا تعرف الجرح وذادوا عن حوزة الدين بإراقة دم الكفار المتمردين فحسن منهم الذب والذبح وكانوا فرسان الكلام وأسود الإقدام الذين طالما خسأت بهم كلاب الشرك فلم تطق النبح صلاةً دائمةً باقية الصرح ما اقترن النظر باللمح وما هطل السحاب بالسح وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من خطبت المناصب العلية محاسنه الجليلة الجلية ورغبت المراتب التي هي بالخير حرية في جميل حالته التي هي بعقود المفاخر حلية وسحبت سحائب الإقبال الوابلية ذيول فضائله الفاضلية واكتسب العلوم الفرعية والأصلية من مجاميع فنونه التي تعرب عن أنواع الفوائد الجملية والتفصيلية - من شهدت المفاخر بأنه لم يزل الشهيد لها وابن الشهيد وحمدت المآثر التي هو الشهير بها فما عليها في جميل الأدات من مزيد وتشيدت مباني معاليه التي اقترن باب خيرها منه بالفتح المبين وتمهدت معاني أماليه بالتخيل اللطيف واللفظ المتين وتعددت أوصاف شيمه فهي لمحاسن الدهر تزيد وتزين وغدا من الكاتبين الكرام والكرام الكاتبين الذين تضح باطلاعهم مراصد المقاصد وتبين‏.‏

طالما اتسق عقد نظمه المتين وبسق غصن قلمه المثمر بالدين وأضاف إلى أدب الكتاب حلية العلماء المتقنين وارتقب أفعال الجميل التي استوجب بها حسن الترقي إلى أعلى درجات المتقين وقلد أجياد الطروس جواهر ألفاظه التي تفوق الجوهر عن يقين فهي بنضار خطه مصوغةٌ أبهج صياغة في طريق الإنشاء سالكةٌ نهج البلاغة وكذا بحار الفضائل واردةٌ مناهلها المساغة كم أعرب كلمه الطيب عن سح سحاب الصواب الصيب وكم أغنى في المهمات بكتبه عن جيش الكتائب وقضبه وكم هزأت صحائفه بالصفائح وكم أغنت راشقات فكره الثابتة العلم عن سهو السهم الرائح وكم تشاجرت أقلامه البيض الفعال هي وسمر الرماح فكان نصرها اللائح وكم تعارض نشر وصفه وشذا الطيب فألفى الزمان ثناءه هو الفائح وكم اشتمل على أنواعٍ من النفاسة فاستوجب منا مناً يقضي له بأجزل المنى والمنائح‏.‏

ولما كان المجلس العالي القاضوي الأجلي الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي الأوحدي الأثيري الرئيسي البليغي المفيدي المجيدي الأصيلي العريقي العابدي الزاهدي المؤتمني الفتحي جمال الملوك والسلاطين ولي أمير المؤمنين محمد بن الشهيد أدام الله نعمته هو الذي أعرب القلم عن صفاته وأطرب المسامع ما أداه اليراع عن أدواته ورام البنان أن يستوعب بيان شركه فلم يدرك شأو غاياته وتسارعت بدائع البدائه من أفكاره فسابقت جريان يراعه في أبياته وراقت أماليه لناقلي ألفاظه ومعانيه فشكر السمع والفهم بها هبات هباته فآدابه مشهورة وعلومه مذكورة وتحليه بمذاهب الصوفية ارتاضت به نفسه الخيرة الخبيرة وإخلاصه في عبادة الله تعالى حسنت به منه السيرة والسريرة وصيانته للأسرار الشريفة استحق بها إسناد أمرها إليه وإيداع غوامضها لديه والتعويل في حفظها وفي لفظه للفظها عليه - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نجتبيه لما تحققنا منه من ذلك ونخصه بصحابة ديوان الإنشاء الشريف في أجل الممالك ونجعل قدمه ثابتة الرسوخ والصعود في مشيخة الشيوخ ليسلك فيها أحسن المسالك‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي الأشرفي الناصري - لا زال لأبوابه الشريفة فتحٌ في الخير يقدمه النصر ولسحابه منحٌ ما يعرف مدد أمداده القصر - أن تفوض إليه صحابة ديوان الإنشاء الشريف ومشيخة الشيوخ بالشام المحروس على عادة من تقدمه وقاعدته ومعلومه الشاهد به الديوان المعمور إلى آخر وقت‏.‏

فليباشر ذلك بوافر عفافه ووافي إنصافه ومشهور أمانته ومشكور صيانته كاتماً للأسرار كاتباً للمبار ليكون من الأبرار عالقاً مصالح الأنام بإرشاد رأيه وصوابه ضابطاً أحوال ديوانه متحرياً في كثير الأمور وقليلها‏:‏ فإن الكتاب يظهر من عنوانه محرراً لما يملي معتبراً لما يكتب مجملاً للمطالعات الكريمة بفكره المتسرع وتصوره الأرتب حافظاً أزمة ما يصدر من مثال وما يرد في المهمات الشريفة فهو أدرى وأدرب بما على ذلك يترتب محافظاً كعادته على دينه لازماً لصدق يقينه خافضاً لأهل الخير جناحه مانحاً لهم نجاحه معاملاً للفقراء بكرم نفس بالله غنية ملاحظاً لأحوالهم بالقول والفعل والعمل والنية محترماً لكبيرهم حانياً على صغيرهم مفكراً فيما يعود نفعه عليهم راكناً في الباطن والظاهر إليهم معنياً لهم بالاشتغال بالعبادة مسلكاً لهم الطريق إلى الله فإنها الطريق الجادة مستجلباً لدعواتهم الصالحة مستفيداً من متاجر بركاتهم الرابحة‏.‏

والوصايا كثيرةٌ ومن نور إفادته تقتبس ومن مشهور مادته تلتمس وملاكها التقوى وهي أول كل أمرٍ وآخره وبملازمتها تتم له مفاخره والله تعالى يحرسه في السر والنجوى ويظهر بإرشاده للمعاني والبيان كل نجوى بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيع بكتابة السر بالشام كتب به للقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله عندما رسم بنقله من القاهرة إلى دمشق في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وسبعمائة من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وهي‏:‏ الحمد لله الذي خص دولتنا الشريفة برعاية الذمم وحفظ ما أسلف الأولياء من الطاعات والخدم وإدامة ما أسدته إلى خدم أيامنا الزاهرة من الآلاء والنعم وإفاضة حلل اعتنائها التي هي أحب إلى من شرف بولائها من حمر النعم وأبقى عوارفها على من لم يزل معروفاً في صون أسرارها بسعة الصدر وفي تدبير مصالحها بصحة الرأي وفي تنفيذ مراسمها بطاعة اللسان والقلم‏.‏

نحمده على نعمه التي ما استهلت على ولي فأقلع عنه غمامها ولا استقرت بيد صفي فانتزع من يده حيث تصرف زمامها ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً لا نزال نعتصم بحبلها المتين ويتلقى عرابة إخلاصنا راية فضلها باليمين ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أكرم مبعوثٍ إلى الأمم بالإحسان والكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين كرمت أنسابهم وأضاءت لهم وجوههم وأحسابهم فرفلوا في حلل ما اكتسوه من سننه واكتسبوه من سننه فحسن منها اكتساؤهم واكتسابهم صلاةً لا تزال لها الأرض مسجداً ولا يبرح ذكرها مغيراً في الآفاق ومنجداً وسلم تسليماً كثيرا‏.‏

وبعد فإن أولى من خولته مكارمنا الإقامة حيث يهوى من وطنه وبوأته نعمنا الجمع بين ذمام برنا وبين ما فارقه من سكنه وملكته عواطفنا زمام التصرف حيثما أمكن من خدمتنا الشريفة وعرفته عوارفنا أن مكانته عندنا على حالها حيث أدى ما عدق به من وظيفة - من لم يزل قلمه لسان مراسمنا وعنان ما نجريه في الآفاق من سوابق مكارمنا وترجمان أوامرنا وخطيب آلائنا التي غدت بها أعطاف التقاليد من جملة منابرنا‏.‏

ولما كان المجلس العالي‏:‏ هو الذي لم يبرح صدره خزانة أسرارنا وفكره كنانة إعلاننا في المصالح وإسرارنا وخاطره مرآة آرائنا ويراعه مشكاة ما يشرق‏:‏ من أنوار تدبيرنا أو يبرق‏:‏ من أنواء آلائنا ينطق قلمه في الأقاليم عن ألسنة أوامرنا المطاعة وينفذ كلمه عن مراسمنا في ديوان الإنشاء بما تقابله أقلام الجماعة بالسمع والطاعة وكانت سنه قد علت في خدمتنا إلى أن رأينا توفير خاطره على البركات عن كثير مما يتبع ركابنا الشريف من لوازم الحركات وأن نعفيه مما يلزم الإقامة بأبوابنا الشريفة من كثرة المثول بين يدينا وأن نقتصر به على أخف الوظيفتين إذ لا فرق في ربتة السر بين ما يصدر عنا أو ما يرد إلينا‏.‏

فرسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الفلاني أن يكون فلانٌ صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس بمعلومه الشاهد له به الديوان المعمور بالأبواب العالية عوضاً عن أخيه المجلس السامي القضائي المحيوي يحيى بن فضل الله ويستمر أخوه القاضي محيي الدين المذكور مع جملة الكتاب بديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس بالمعلوم الشاهد به الديوان المعمور‏.‏

فليباشر هذه الرتبة التي تأثلت به قواعدها وعن تقريره وتحريره أخذ كل من كان بأنواعها وأوضاعها عليماً فإنه لم يخرج عن أخيه شيءٌ وصل إليه ولا فوض له إلا ما هو بحكم عموم الأولوية والأولية في يديه وأما ما يتعلق بذلك من وصايا تبسط وقواعد تشرط فإنها منه استفادها من رقمها وعنه ارتوى بها ورواها من تلعمها ونحن نعلم من ذلك ما لا يحتاج إلى أن يزداد فيه يقيناً ولا أن نزيده بذكره معرفةً وتمكيناً والاعتماد‏.‏

قلت‏:‏ ومن غريب ما وقع‏:‏ أنه كتب للمقر الشهابي بن فضل الله بكتابة السر بالشام حين وليها بعد انفصاله من الديار المصرية توقيعٌ مفتتح بأما بعد حمد الله من إنشاء المولى تاج الدين بن البارنباري وكأنه إنما كتب بذلك عند تغير السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون عليه على ما هو مذكور في الكلام على كتاب السر في مقدمة الكتاب‏.‏

وهذه نسخة توقيع بكتابة السر بالشام المحروس‏:‏ أما بعد حمد الله منقل الشهب في أحب مطالعها ومعلي الأقدار بتصريف الأقدار ورافعها ومبهج النفوس بمعادها إلى أوطانها ومواضعها وممضي مشيئته في خليقته بالخيرة فيما يشاء لطالعها والشهادة له بالوحدانية الآخذة من القلوب بمجامعها والصلاة على سيدنا محمدٍ الذي بصر الأمة بهديها ومنافعها وصان شرعته الشريفة تلو الملل بنسخ شرائعها وعلى آله وصحبه الذين استودعوا أسرار الملة فحفظوا نفيس ودائعها - فإن ممالكنا الشريفة هي سواءٌ لدينا في التعظيم وأولياء دولتنا الشريفة ينتقلون فيها في منازل التكريم وعندنا من فضل الله رعايةٌ للعهد القديم وتأكيدٌ لأسباب التقديم فلا غضاضة لمن نقلناه من أبوابنا إليها ولا وهن يطرأ على علو المراتب ويعتريها حيث صدقاتنا دائمة وثغور إقبالنا باسمة ومراسمنا لمساعدة الأقدار في الأيام حاكمة والشهاب لو لم يسر في سمائه لما اهتدى الناظرون بضيائه والدرة لو مكثت في صدفها لما حظيت في العقود بشرفها‏.‏

وكان المجلس العالي القضائي الشهابي قد أقام في خدمتنا الشريفة بالأبواب العالية حافظاً للأسرار قائماً بما نحب ونختار ثم لما أخذ حظه من القرب من أيدينا الشريفة‏:‏ رأينا أن عوده إلى أوطانه وأهله من تمام إيمانه وأن مرجعه إلى محله من نعيم الله عليه وفضله وما سار إلا والإقبال يزوده والاستقبال به وأهل بيته يسعده ويصعده‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن ينقل إلى كتابة الإنشاء الشريف بدمشق المحروسة وأن يكون متحدثاً عن والده على ما كان عليه بالديار المصرية وليقرر له من المعلوم كذا وكذا‏.‏

فليسر إلى دار كرامته وليستقر في موطن إقامته قرير العين مملوء اليدين مسروراً برفع المحل في المملكتين وليكن لوالده - أعزه الله تعالى - عضداً وليصبح له في مهماتنا الشريفة ساعداً ويداً وليضح به اليوم براً ليجد رضا الله غداً فإن والده بركة الممالك وله قديم هجرة وسالف خدمة وحسن طوية فنحن نرعاه لذلك والمهمات الشريفة يتلقاها بنفسه وليصدر فصول المطالعة مدبجة على عادته في تدبيج طرسه وليستعن بالله فهو ولي الإعانة وليعتمد على الرفق في أمره فما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه وما بعد عنا من كان بعيداً بالصورة قريباً بالمعنى والله تعالى يزيده منا مناً والخط الشريف أعلاه حجة فيه إن شاء الله تعالى‏.‏

  الوظيفة الثالثة - نظر الجيوش بالشام‏.‏

وشأن صاحبها كتابة المربعات التي تنشأ من الشام وتنزيل المناشير الشريفة التي تصدر إليه‏.‏

وهذه نسخة توقيع شريفٍ من ذلك كتب به لموسى بن عبد الوهاب من إنشاء السيد الشريف شهاب الدين وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل إحساننا عائداً بصلاته وفضلنا يجمع شمل الإسعاد بعد شتاته وعواطفنا تنبه جفن الإقبال من إغفائه وسناته‏.‏

نحمده على أن نصر بنا جيش الإسلام في أرجاء ملكنا الشريف وجهاته وجعل البركة واليمن بأمرنا في حالتي محوه وإثباته ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً زادت في جزاء المخلص وحسناته وأضحت نوراً يسعى بين يديه إلى رحمة ربه وإلى جناته ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي أظهر الله به واضح آياته وأصبح النشر عابقاً من نشر راياته ومحا الفترة بهديه وسر سرائر أوليائه وأكمد قلوب عداته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تأرج وبعد فإن من النعم ما إذا عادت أقرت العيون وحققت الآمال والظنون ورفعت الأقدار وإن لم يزل رفيعاً محلها وجمعت المسار الممتد على الأفئدة ظلها وعمرت ربوع الإحسان وغمرت بمنائحها الحسان كهذه النعمة التي تلقت الإقبال من حافل غمامه وجمعت شمل التقديم مشفوعاً بإكرامه وأعادت سماء التكريم هاديةً بقطبها مشرقة الأرجاء بنور ربها وسفرت بدورها بمن هو أولى باجتلائها وتهيأت رتبها لمن هو جديرٌ باعتلائها وحقيقٌ بأن تعود المواهب بعد فترتها وأن تقبل عليه وجوه المنائح بعد لفتتها لتصبح كواكب الإسعاد كأنها ما أفلت وعطايا التخويل كأنها ما انتقلت ويعود عليه اليوم كأمسه ويرجع أفق العوارف الجسام مشرقاً ببدر الاجتباء وشمسه‏.‏

ولما كان فلانٌ هو الذي حسنت في الخدم الشريفة آثاره وحمد إيراده في المهمات الشريفة وإصداره وشكره شامه ومصره وسما في كل جهةٍ حلها محله وقدره وتحققت منه رآسةٌ قضت له بإبداء النعم وإعادتها وأن تجزي له الدولة من الإكرام على أجمل عادتها وأن ترعى له حقوقٌ ألفها حديثاً وقديماً وتنشر عليه ظلال الفضل حتى لا يفقد منها على طول المدى تكريماً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف‏.‏ لازال‏.‏ أن يستقر‏.‏

تجديداً لملابس سعده وتأكيداً لقواعد مجده وترديداً للفضل الذي حلا منهل ورده ورعايةً لخدمه التي أكبت عليها السيوف والأقلام وشكرت تأثيرها جنودنا - نصرها الله تعالى - بمصر والشام ولما له من حسن سمتٍ زاده وقاره وأصلٍ صالح طابت منه ثماره‏.‏

فليستقر في هذه الوظيفة المباركة‏:‏ عالماً أن لسان القلم أمسك عن الوصايا لأنه خبر هذه الوظيفة فرعاً وأصلاً وألفت منه ناظراً علا قدراً وكرم محتداً وفصلاً وهو بحمد الله أدرى بسلوك منهاجها القويم وأدرب باقتفاء سننها المستقيم والخير يكون والاعتماد في ذلك على الخط الشريف إن شاء الله تعالى أعلاه حجة بمقتضاه‏.‏

المرتبة الثانية من مراتب أرباب التواقيع الديوانية بدمشق - من يكتب له في قطع الثلث بالمجلس السامي بالياء مفتتحاً بالحمد لله إن علت رتبته وإلا بأما بعد وتشتمل على وظائف منها - نظر الخزانة العالية وشأنها هناك نظير الخزانة الكبرى بالديار المصرية في القديم ونظير خزانة الخاص الآن‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنظر الخزانة العالية‏:‏ أما بعد حمد الله على نعمه التي خصت المناصب السنية في أيامنا الزاهرة بكل كفءٍ كريم وجعلت على خزائن الأرض من أولياء دولتنا القاهرة كل حفيظٍ عليم وأفاضت ظل إنعامنا على من إذا أنعم النظر في حق ذوي البيوت القديمة كان أحق بالتقديم والصلاة على سيدنا محمدٍ أفضل من حباه بفضله العميم واجتباه لهداية خلقه إلى السنن القويم وجعل سلامة الصلاة المقبولة من النقص مقرونةً بالصلاة عليه والتسليم - فإن أولى من رجحه لخدمتنا الاختيار وقدمه في دولتنا الاختبار وأخلصه حسن نظرنا الشريف رتبة أبيه من قبل وأغدق له سحاب برنا صوب إحسانٍ فلم يصبه طلٌّ بل وبل - ومن حمد سيره وسيره وشكر في طاعتنا ورده وصدره وزان الأصالة بالنباهة والرآسة بالوجاهة والمعرفة بالنزاهة وجمع بين الظلف والاطلاع والتضلع من العفة والاضطلاع والصفات التي لو تخيرها لنفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع‏.‏

ولما كان نظر الخزانة العالية بدمشق المحروسة رتبةً لا يرقى إليها من الأكفاء إلا من ومن ولا يقدم لها من الأولياء إلا من تعين من رؤساء العصر وفضلاء الزمن وكان فلانٌ هو الذي عينه لها ارتياد الأكفاء واصطفي هو من أهل الصفاء وتقدم من وصف محاسنه ما لا يروع تمام بدره وظهوره بالنقص والاختفاء‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه نظر الخزانة المذكوة‏.‏

فليباشر ذلك مباشرة من يحقق في كفايته وفضيلته التأميل ويظهر حسن نظره الذي هو كالنهار لا يحتاج إلى دليل وليجر على جميل عادته في النهوض في خدمتنا بالسنة والفرض ويضاعف اجتهاده الذي بمثله جعل من اختير على خزائن الأرض وهو يعلم أن هذه الرتبة مآل الأموال وذخائر الإسلام التي هي مادة الجيوش وموارد الإفضال فليعمل في مصالحها فكره ودأبه وإذا كان حسن نظرنا الشريف قد جعله المؤتمن عليها‏:‏ ‏"‏ فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتقي الله ربه ‏"‏‏.‏

وفي سيرته التي عرفت وصفاته التي إن وصفت فما أنصفت ما يغني عن تفاصيل الوصايا وجملها وإعادة مزايا التأكيد‏:‏ قولها وعملها لكن ملاكها الصيانة التي هو بها موصوف والتقوى التي هو بها معروف والاعتماد على الخط الشريف أعلاه‏.‏

ومنها - صحابة ديوان النظر وصحابة ديوان الجيش ونحو ذلك من الوظائف الديوانية بدمشق‏.‏

قلت‏:‏ هذا إن كتب من الأبواب الشريفة السلطانية وإلا فالغالب كتابة ذلك عن نائب السلطنة بدمشق‏.‏